أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2017

وفاء في زمن الحرب..!




يعلمنا أسامة بن المنقذ، بدون وعظ وإرشاد، من خلال كتابه الاعتبار، أنه في الحرب والسلم، الخير يمكن أن يكون لدى المسلم والمسيحي، وكذلك الشر، وأن الصراعات الفتاكة تفتك بالمسلمين بعضهم بعضا كما يمكن أن تحدث لغيرهم، وأن القلة قد تغلب الكثرة لدى المسلمين وغير المسلمين، وأن العهود يمكن أن يصونها المسلمون وغير المسلمين والعكس أيضًا، وأن الوفاء والغطرسة والتدمير ونوازع أخرى ليست مقصورة على فئة من النَّاس دون أخرى.
ويروي حكاية تحت عنوان (وفاء بدوي) جرت أحداثها خلال الاحتلال الصليبي، في قرية بيت جبرين الفلسطينية المهجرة الآن، والتي تشتت ناسها في العالم أجمع. وفي بيت لحم يحمل مخيم للاجئين اسمها.
كتب أسامة بن المنقذ: "وحكى لي صاحبي هذا عن ابن صاحب الطور وكان طلع معي من مصر في سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، قال حدثني ابن والي الطور وهي ولاية لمصر بعيدة، كان الحافظ لدين الله رحمه الله، إذا أراد أبعاد بعض الأمراء ولاه الطور وهو قريب لبلاد الإفرنج. قال وليها والدي وخرجت أنا معه إلى الولاية وكنت مغرى بالصيد فخرجت أتصيد فوقع بي قوم من الإفرنج فأخذوني ومضوا بي إلى بيت جبريل فحبسوني فيه في جب وحدي وقطع علي صاحب بيت جبريل ألفي دينار، فبقيت في الجب سنة لا يسأل عني أحد، فأنا في بعض الأيام في الجب وإذا قد رفع عنه الغطاء ودلي إلي رجل بدوي. فقلتمن أين أخذوك؟ قال من الطريق، فأقام عندي يويمات وقطعوا عليه خمسين ديناراً، فقال لي يوماً من الأيام تريد تعلم أن ما يخلصك من هذا الجب إلا أنا؟ فخلصني حتى أخلصك. فقلت في نفسي رجل قد وقع في شدة يريد لروحه الخلاص، فما جاوبته. ثم بعد أيام أعاد على ذلك القول. فقلت في نفسي والله لأسعين في خلاصه لعل الله يخلصني بثوابه. فصحت بالسجن فقلت له قل للصاحب أشتهي أتحدث معك. فعاد وأطلعني من الجب وأحضرني عند الصاحب. فقلت له لي في حبسك سنة ما سأل أحد عني ولا يدري أنا حي أو ميت، وقد حبست عندي هذا البدوي وقطعت عليه خمسين ديناراً أجعلها زيادة على قطعيتي ودعني أسيره إلى أبي حتى يفكني. قال افعل. فرجعت عرفت البدوي وخرج ودعني ومضى. فانتظرت ما يكون منه شهرين فما رأيت له أثراً ولا سمعت له خبراً فيئست منه فما راعني ليلة من الليالي إلا وهو قد خرج علي من نقب في جانب الجب، وقال قم والله لي خمسة أشهر أحفر هذا السرب من قرية خربة حتى وصلت إليك. فقمت معه وخرجنا من ذالك السرب وكسر قيدي وأوصلني إلى بيتي فما أدري مم أعجب من حسن وفائه أو من هدايته حتى طلع نقبه من جانب الجب. وإذا قضى الله سبحانه بالفرج فما أسهل أسبابه".
**
الصورة: كهف من مئات الكهوف المكتشفة في بيت جبرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق