أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 14 ديسمبر 2017

كم سنة سعادة يحتاجها أمير المؤمنين؟!





أبو المُطرّف عبد الرحمن الناصر لدين الله هو ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس التي أسسها عبد الرحمن الداخل، بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق، وهو الذي استقل بخلافة لوحده، حلالا زلالا عليه، معلنا الخلافة في قرطبة، ليسعد بلقب أمير المؤمنين.
يعرف عبد الرحمن هذا، في الادبيات الغربية باسم عبد الرحمن الثالث، الذي أنشأ مدينة الزهراء الاسطورية. الروائي المكسيكي الراحل كارلوس فوينتس، أسطر خليفة قرطبة، وهو يخط برشاقة تاريخ إسبانيا: "عندما رحل عبد الرحمن الثالث ترك لنا ذكرى، ألا وهي القصر الكبير المتمثل في مدينة الزهراء الذي شيده تكريمًا لزوجه؛ كان القصر يقوم على أربعة آلاف وثلاثمائة عمود، ويقوم على الخدمة فيه ثلاثة عشر ألفًا وسبعمائة وخمسون خادماً من الرجال إضافة إلى خمسمائة وثلاثة آلاف ومائتي رغيف. ومع كل هذا كان عبد الرحمن الثالث واعياً بأن هذه العظمة فانية، فكان يرتدي الملابس الخشنة ويعفر نفسه بالتراب عندما تحين ساعة استقبال السفراء الأجانب. مات الرجل طاعناً في السن، لكنه تنهد في نهاية الرحلة بقوله بأنه لم يذق طعم السعادة إلا أربعة عشر يوماَ طوال حياته"-(المرآة الدفينة/كارلوس فوينتس ترجمة علي إبراهيم منوفي/المركز القومي للترجمة/القاهرة 2012م).
كيف حسب عبد الرحمن، سنوات السعادة؟ لا ندري، ربما للخلفاء طرقهم وأدواتهم لحساب كل شيء، وأكاد أُخمن بأن عاملاً في قصره تخصص في تنسيق الزهور مثلاً، كان أكثر سعادة منه، تشمم رحيق الزهور، وربما أحب جارية وكان لديه القدرة على إمطارها بالورود والزهور، بعكس سيده المهموم بأعداء الداخل والخارج.
أتذكر خالي أحمد الشيخ، وهو من جيل النكبة الذي وجد نفسه فجأة بدون منزل، تُسلب حياته وأرضه وتراثه وأساطيره ومقاماته ومساجده وكنائسه، وحكاياته، وخرافاته، وزيتونه، وقمحه، ومهنه.
لم يكن يخلو هذا الخال من ظرف، وسمعته مرارًا يحكي قصة جبر، الذي طلب أن يُكتب على قبره: هنا يرقد جبر من بطن أمه للقبر، أي انه لم يعش  أية لحظة سعادة، ربما كان يقصد الخال جيل النكبة الأوّل الذي عاش مصدوما، غير مصدق أنه يمكن أن يحدث له ما حدث.
كيف حدث ما حدث؟
لا زلت غير مصدق، أن كل ذلك، وأكثر بكثير، حدث لنا..!
ما أطولها من رحلة؛ الحياة ابنة العدم المشينة..!
**
الصورة/ رسم للخليفة يستقبل وفدا في قصر الزهراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق