أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 5 نوفمبر 2017

مناطق جديدة من ذاكرة الروائي الأسير/يوسف الشايب




أطلق الروائي أسامة العيسة، روايته الجديدة "قط بئر السبع"، الصادرة عن دار الهلال في جمهورية مصر العربية، بأمسية قدّم للرواية فيها وناقشها الأديب أسعد الأسعد، واحتضنتها قاعة متحف بيت لحم، الخميس الماضي.

وقال الأسعد في تقديمه: عندما بدأت أقرأ في نص أسامة العيسة الجديد بعنوان "قط بئر السبع" اكتشفت أنني أمام نص مختلف، وهذا ما خرجت به من نتيجة عقب الانتهاء من قراءة الرواية، ومتابعة ما جرى له في أروقة السجن، والملابسات كافة التي رافقت تسلل القط إلى السجن، واستقبال المعتقلين له، وكذلك السجانين، وخصوصاً "آشر"، آمر السجن، لافتاً إلى أن ما أثاره "هذا الكم الهائل من الحكايات التي باعتقادي لم تكتمل، وهي بحاجة إلى إعادة إحياء بل إعادة نبش في ذاكرة السجين أسامة العيسة، وترتيب أوراقه المبعثرة، والتي دوّن فيها مذكرات حملت أحياناً ملخصات، وأحياناً أخرى تفاصيل عن حياة السجن، وما تخللها من علاقات بين السجناء أنفسهم، وعلاقاتهم بسجّانيهم.
وأضاف: من يقرأ نص أسامة الجديد يدرك تفاصيل الحياة في السجن، حيث يتنقل بين أبطاله المسجونين والسجانين يحدثنا ويروي لنا حكاياتهم التي أدخلتهم السجن، إبراهيم البسة الذي أخذ لقبه من القطة الشقراء التي التقطها عندما تسللت من نافذة السجن واختارت اللجوء إليه، وبرأيي نجح العيسة في توظيف "قطته" لجعلها محوراً مركزياً وأساسياً في إدارة حواراتها وبناء حكاياته، وهي التي كشف أسير محرر خلال النقاش عن أنها حكاية حقيقية (حكاية تسلل القط إلى سجن بئر السبع).
وحسب الأسعد، نشأ في فلسطين، منذ ما تعاقب عليها من احتلالات مختلفة، ما أطلق عليه "أدب السجون"، و"هذا النص يندرج تحت هذا المسمى، إذ يحمل صفاته وسماته، غير أن العيسة تجاوز هذه الصفات والسمات إلى ما هو أبعد من ذلك، حين فتح حوارات سياسية مع آمر السجن، وتناول الخلافات السياسية بناء على الانتماءات الفصائلية، علاوة على حديثه عن أنواع التعذيب في سجون الاحتلال، من زنزانة العزل الانفرادي، والشبح، وإطعام الأسرى بالقوة حال الإضراب عن الطعام.
وتنقل العيسة ما بين قصص الفدائيين وكذلك العملاء أو ما يعرفون بـ"العصافير"، معرجاً على حكاية "أبو علندة" الجاسوس، ثم حكاية "إبراهيم" والتحاقه بالفدائيين في دمشق، ولم ينس الإشارة إلى والده التحريري صديق تقي الدين النبهاني، كما اهتم برصد التغيرات السياسية في إسرائيل من بينها اتفاق كامب ديفيد والمصالحة مع مصر، إلى حديثه عن أساطير ضمنها حكاياته عن قرى فلسطينية مهجرة.
وأشار الأسعد إلى أن "رواية أسامة هذه تزخر بالأحداث، وأظن أنه اضطر إلى سردها مسرعاً، والخروج منها في وقت مبكر"، لافتاً إلى أن "العيسة واصل في روايته هذه تأكيد انتمائه إلى مهنته الأولى كصحافي، فهي لا تخلو من الانحياز أحياناً إلى التقرير الصحافي، بمعنى تحولها في جزء منها إلى تقرير عن حال السجون في هذه البلاد، وممارسات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين، مضمناً تقريره حكايات عن السجن والمسجونين والسجانين وعلاقة الجميع ببعضهم في قالب روائي شيق يقترب أحياناً من البحث في حياة المعتقلين الشخصية، واضعاً إياها في قالب إنساني، واصفاً الرواية بـ"الجديدة" لكاتب "متمرس" تضيف إلى ما كتبه سابقاً ما يستحق منا التقدير.
من جانبه، أشار العيسة إلى أنه سبق وأصدر رواية "المسكوبية" عن السجون، وكان يعتقد أنه استنفذ العلاقة مع السجن في تلك الرواية، لكنه اكتشف أن الأمر لم ينته بعد، ولا يزال ملحاً، فتجربة السجن تبقى تلح على الكاتب، كما قال، كأحد فصول حياته الدرامية المحورية والمهمة، ولذا قد يعود لها، و"هذا ما فعلته من خلال قط بئر السبع".
وأضاف العيسة: حاولت أن أكتب نصاً جديداً فيه كثير من الصنعة، بحيث لو تعرض له قارئ في شمال الكرة الأرضية أو جنوبها يشعر بأن هذا يعنيه، ومن هنا جاء توظيف القط، كما أنني حاولت أن أقدّم الإسرائيلي بطريقة جديدة، وبشكل واع، لأنني أدرك تماماً أن الإسرائيلي قدّم في الأدب الفلسطيني والعربي على أنه "صاحب الأنف المعقوف"، فعمدت لا إلى أنسنة الإسرائيلي بل إلى بشرنته، ومن المهم برأيي تقديم الإسرائيلي كشخصية روائية، وآمل بأن أكون حققت نجاحاً في هذا الأمر.
والرواية، حسب صاحبها، هي عبارة عن وجبة سردية عن السجون، ربما تجعل آخرين يلتفتون إلى هذه التجارب المهمة، فنسبة من اعتقلوا في فلسطين من قبل الاحتلال كبيرة جداً، لكن لا يوجد أدب سجون فلسطيني يوازي هذه التجربة، حتى مقارنة بدول مجاورة كسورية مثلاً.
ولفت العيسة إلى أن الحكاية مبنية على حدث حقيقي.. وأكد: لست أنا السجين، بل هو صديقي الأسير المحرر محمد الزغاري، الذي حدثني كثيراً عن القط، فالتقطت منه هذه الثيمة وبنيت عليها رواية "قط بئر السبع"، ولكن بطبيعة الحال كان هناك عملية إعادة إنتاج لهذه القصة، ولهذا ربما كان إهداء الرواية إليه.
وحسب الناشر، فإن أسامة العيسة في روايته "قط بئر السبع" يسعى إلى استكشاف صفحة من تاريخ المقاومة الفلسطينية عندما كانت في عافيتها، تفرق بين العدو والصديق في نهاية السبعينيات، حين تسلل قط إلى سجن بئر السبع الإسرائيلي، الذي تحتجز فيه سلطات الاحتلال أسرى المقاومة الفلسطينية، فيتحول القط إلى أسير ملاحق من قبل إدارة السجن، وينسج الأسرى علاقة خاصة مع القط الذي يساعدهم في مقاومتهم لأساليب وإجراءات إدارة السجن، ويضطلع بدور في إضراب عن الطعام يخوضونه، مطالبين بتحسين ظروف اعتقالهم. ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق