أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 7 سبتمبر 2017

الدهيشة الثقافية..!




(مساهمتي في الملف الذي أعده الكاتب يامن نوباني عن مخيم الدهيشة ثقافيا لصالح وكالة وفا، انشرها لاطلاع من استفسر، ولاستدراج إضافات أو تصويبات، واستدراكات خصوصا من الكتاب/الكاتبات الذين واللواتي يصنفون أنفسهم وأنفسهن كدهيشين ودهيشيات-هذه المساهمة اهداء الى الشهيد رائد الصالحي)
عندما استقر الحال نسبيًا، بمجموعة من اللاجئين من جبلي القدس والخليل، بعد محطات لجوء عديدة، في مخيم الدهيشة عامي 1949-1950م، أوَّل ما فكروا فيه، وهم في الخيام، تشييد مدرسة، في مبادرة جماعية أهلية رائدة وشجاعة، لم يتوقف عندها الباحثون، حيث تم تجميع الأطفال في العراء ولاحقًا في غرفٍ صفية من الخيام، وأصبح مديرًا للمدرسة الشاعر خليل زقطان ابن قرية زكريا المهجرة التي شكل أبناؤها المهجرين أكبر كتلة سكانية في المخيم.
وانضم لهيئة التدريس تطوعًا العديد من المدرسين، الذين انهوا الصفوف الابتدائية في قراهم قبل النكبة، وعملوا تحت قيادة زقطان المحبوب، والذي سيصبح بعد حين شاعرًا معروفا عندما أصدر ديوانه الأول (صوت الجياع) عام 1953 عن مطبعة دار الأيتام الإسلامية في القدس، وأثّر في كثير من الذين سيصبحون شعراءًا معروفين في المستقبل مثل الشاعر عز الدين المناصرة، الذي أشار في مقابلة معه في ثمانينات القرن العشرين بتأثير زقطان الشعري على جيله.
ينتمي زقطان لجيل من الشعراء ربطوا القول الشعري بالفعل الوطني، مما عرضه للاعتقال عدة مرات، مثلما حال شعراء آخرين من قريته زكريا، تشردوا في مخيم الدهيشة والمخيمات المجاورة كمخيم العروب، مثل الشاعر فتحي الكواملة الذي اصدر ديوانين من الشعر، الأول (يا رسول السلام)، وهو مدح للرسول العربي، والثاني بعنوان (البركان)، الذي صادرته السلطات الأردنية فور صدوره لدعوته للتمرد والثورة على الأنظمة العربية، وكذلك الشاعر عبد الفتاح الكواملة، الذي اتهم الأنظمة العربية بالتآمر على القضية الفلسطينية، وانتهى منتحرًا، عندما أطلق الرصاص على نفسه عام 1987 في مدينة إربد الأردنية.
ما ورد في الأسطر السابقة، يشير إلى مناخات الثقافة في مخيم الدهيشة منذ تأسيسه، حيث أصبح "عشا" لتفريخ نشطاء الأحزاب القومية واليسارية، وأبرزها الحزب الشيوعي، وحزب البعث.
ومن بين نشطاء الحزب الشيوعي في المخيم مختار قرية ذِكرين، الذي سيصبح ابنه رشاد أبو شاور كاتبًا معروفًا، وسيتذكر لاحقًا طفولته في المخيم، وتأثير معلمي المدرسة عليه: "كرجت قدماي علي الصخور المستلقية البيضاء التي تبدو كفقمات مبحرة لفرط حياتها، حاملةً على متونها الحراذين، والجنادب، والفراش، وطيور الحجل، والحباحب، مكحلّة الأطراف بعشب زغبي.
في الدهيشة تعلّمت أول الكلام، ونشيد (موطني)، وكتبت أوّل الحروف، وبللت بفمي سنّ قلم الكوبياء ليكون خطّي أعرض وأوضح، فمن هناك بدأت رحلتي مع الوضوح.
الأساتذة: نمر (العطابي)، محمود الخطيب، أحمد العجّوري، سليمان مزهر وابن عمّه أحمد مزهر، والأستاذ الياس الذي كان في الشتاء والصيف يركض من بيت لحم إلى الدهيشة، ومنه تعلّمنا أن نركض بلا توقّف في هذه الحياة".
ومن مجايلي أبو شاور، الذي انتقل لاحقًا مع عائلته إلى مخيم النويعمة في أريحا، عبد الرحمن عبّاد، الذي أصدر في سبعينات القرن الماضي مجموعته القصصية الأولى: "جمع الشمل"، وتوالت دراساته الأكاديمية، وإصداراته الأدبية وحصل على شهادة الدكتوراه، وكان نشيطا في الحركة الثقافية الفلسطينية حتى رحيله عام 2015م.
وإذا كان الغليان الثوري إن جاز التعبير الذي صبغ حقبتي الخمسينات والستينات في المخيم، كان المولد الثقافي-السياسي في المخيم، فان الأمر اختلف مع الاحتلال عام 1967م، حيث كان على أبناء المخيم أن يبدأوا مبكرًا انتفاضتهم، في ظل غياب العديد من الرموز الوطنية والحزبية التي شتتها حرب حزيران، وينشأ جيل حمل الحجارة بيد والكتاب باليد الأخرى، وليلعب مركز شباب الدهيشة الاجتماعي دورًا ثقافيًا بارزًا، بقيادة العديد من النشطاء، وشملت نشاطات المركز إقامة الندوات الثقافية التي حاضر فيها ضيوف من خارج المخيم، كالشاعر الراحل عبد اللطيف عقل، ومناقشة الكتب، والندوات الثقافية، والمهرجانات الفنية-الثقافية، وإصدار مجلات الحائط التي وفرت الفرصة لنشر نتاج فتية وشباب المخيم، وكاتب السطور واحدًا منهم، ولكن تجربة المركز الفريدة لم تستمر طويلاً، حيث تعرض للإغلاق المتكرر من قبل سلطات الاحتلال، ولم تنجح المحاولات اللاحقة في ظل السلطة الفلسطينية لافتتاحه، رغم الحشود الحزبية في الانتخابات والتي تتحول إلى معارك كسر عظم، لا يتولد عنها إلا الهباء.
برز في حقبة الثمانينات من الشعراء، الشاعر سميح فرج، الذي أصدر عدة دواوين شعرية، وما زال يواصل مسيرته الشعرية، وفي الحقب اللاحقة ظهرت أصوات شعرية وأدبية مثل الشاعر وليد الشيخ، والكاتب صالح أبو لبن الذي أصدر رواية-سيرة بعنوان (البيت الثالث) ومؤخرا أصدر كتابًا بعنوان (أربعون يوما على الرصيف) رصد فيها تجربة اعتصام أهالي المخيم لمدة أربعين يومًا تزامنًا مع إضراب عدد من شباب المخيم الأسرى عن الطعام.
أبو لبن واحد من الأسرى الذين تحرروا في صفقة تبادل الأسرى الشهيرة في أواسط الثمانينات، وتجاربه الأولى في الكتابة ظهرت وهو داخل السجن، وهو أيضًا ما حدث مع زميله الراحل الشاعر محمد أبو لبن، مؤلف نشيد (عسقلان) الذي نظمه في سجن عسقلان عام 1976، ولحنه الأسير محمد أبو الزنابيط من سكان قرية دير الغصون، وسرعان ما انتشرت القصيدة في كل السجون والمعسكرات الاحتلالية، لتصبح أغنية المعذبين في مواجهة الجلادين، وصوت المتمردين على العبودية وسياسة الإذلال المتعمد، وسؤال الحرية الدائم في معارك صامتة تجري خلف قضبان السجون.
واعتمدت وزارة شؤون الأسرى والمحررين، التي أصبحت هيئة شؤون الأسرى، النشيد، نشيدًا للحرية في كافة المناسبات والنشاطات التضامنية مع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأصدرت الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر أبو لبن، وكذلك فعلت بإصدار أشعار المربي عيسى العزة، وهو من مخيم العزة، درس في مدرسة الدهيشة وأصبح مدرسًا فيها، وتأثيره الأدبي على طلبة المخيم يذكر دائمًا.
ومن كُتّاب المخيم المعروفين صلاح عبد ربه، الناشط الاجتماعي والوطني، والذي يعد واحدًا من مؤسسي العمل الاجتماعي-الثقافي-السياسي في المخيم، والذي ترأس الهيئة الإدارية لمركز شباب الدهيشة أكثر من مرة، وله عدة إصدارات في شؤون اللاجئين، ودراسة مخطوطة عن قرية زكريا المهجرة.
وبرز الدكتور خضر سلامة، كباحث في شؤون القدس، والذي عمل مديرًا لمكتبة الأقصى وللمتحف الإسلامي في القدس، وصدرت له عدة كتب حول مكتبات القدس، والآثار المقدسية، إضافة إلى كتاب عن قرية زكريا.
ووضع الصحافي محمد مناصرة عدة كتب، من بينها كتابه عن حصار كنيسة المهد، موثقا ليوميات الحصار الذي حديث في شهر نيسان 2002م.
ونشر المربي يوسف عدوي، عدة كتب معرفية في المعلومات العامة، وخاصة عن فلسطين وقضيتها، وانضم المربي أحمد علي الصيفي إلى قائمة كُتّاب المخيم بإصداره كتابًا نثريًا عام 2016م، بعنوان: "هل أصبح الوطن قصيدة؟"، ومن الأصوات الشابة في المخيم الروائي أيسر الصيفي الذي أصدر رواية (الدرس الأخير)، وحذيفة دغش الذي أصدر باكورته الروائية (يافا الجُلَنّارُ) هذا العام.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق