أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 16 سبتمبر 2017

اعتذار إلى مخيم البقعة..!




زرت مخيم البقعة، مرة، أو ربما مرتين، أو ثلاث. في الأولى اصطحبت أُمي لتلتقي صديقاتها الشعفوطيات (من عائلة شعفوط/من الفالوجة). عائلة شعفوط جيراننا في مخيم الدهيشة، وفي زمن ما، الجيران كانوا بمثابة أهل، المنازل مستباحة، والخبز والملح والسكر مشاع، والأخبار والأسرار تسلية النَّاس المباحة.
الشعفوطيات كن لاجئات منكوبات في مخيمنا، ثم أصبحن منكوسات بعد حزيران 1967م شُرِّدن من مخيم الدهيشة في الضفة الغربية التي سقطت في ست ساعات إلى الضفة الشرقية التي وجدت لتستقبل المنكوبين والمنكوسين، وأنا لا أذكرهن أبدا وإنما أذكر أقربائهن جيراننا، حتى أصبحت في منزل في مخيم البقعة شاهدًا على مجموعة عجائز بثيابهن الفلسطينية المطرزة، يستدعن الذكريات بين الدموع والشهقات والأمنيات ولعن الزمان، وعرب الخيانة، وعجم المؤامرة-وهذا ما سيتحول إلى فلكلور فلسطيني أصيل، حيث تبريء الضحية نفسها وهي تلقي حجارتها في حجر الآخرين.
الزيارة الثانية، كانت ليلا ًعلى الأغلب، والسبب التعرف على أقرباء بعيدين، أذكر أحدهم صاحب دكان، لا يحتاج المرء إلا لدقائق معدودة ليعرف انه أمام شخصية روائية، فهو مزيج من نجيب الريحاني، وأبو لمعة، ويوسف وهبي، بعد أن سلمت عليه، أشار إلى شاب اشترى شيئا وخرج، قائلاً بلهجة موحية وبصوت خفيض:
-أتعرف من هذا؟
*.......
-مخابرات، إنهم يرصدون حركاتي ..!!
وكان ذلك مقدمة ليروي حكاياته الخيالية مع الفدائيين المحظور الكلام معهم، وكأنه يمارس عملاً سريا، مع دخول وخروج المشترين.
المرة الثالثة، دخلت البقعة في النهار، ونسيت المناسبة، وهالني ما شعرت به للوهلة الأولى بالاستلاب، من صور وشعارات معلقة على الجدران تمجد عبادة الملوك، وصدمت عندما سألت عددًا من الفتية عن قراهم الأصلية وكانت الإجابات غير مريحة لمتحمس مثلي في ذلك الوقت.
في تموز الماضي، عندما أطللت ليلاً على ما عرفت انه المخيم المضيء سألت:
*أهذا هو البقعة حقا..؟!!
كنت في جولة على عمّان الليلية رفقة ابنتي أخي ميسون، وحنين، عندما أشارتا إلى المخيم من علٍ، فتذكرت أحد مشاهير مخيمنا الظرفاء، الذي عندما سافر من الدهيشة إلى الأردن، يعد النكبة ومر على مخيم شلنر، أو البقعة سأل بأنفة رجل لم يجرب عار الهزيمة:
-من هؤلاء الناس؟
فقيل له هؤلاء هم اللاجئون، فرد متحسرًا:
-هؤلاء هم اللاجئون؟؟ مساكين..مساكين..!
وذهبت جملته تندرًا، على اللاجئ المسكين، الذي نسي نكبته ونكسته وتحسر على أوضاع اللاجئين وكأنه ليس منهم.
أهذا هو البقعة؟؟ حقا.. وكأنها دهشة مستشرق..!
عذرا أيها المخيم..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق