أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 25 مارس 2017

المثقف الفلسطيني والإرهاب






يواجه المثقف الفلسطيني إرهاب دولة الاحتلال، وبشكل يبدو أقل أفكار الجماعات المتطرفة، التي تشترك مع الاحتلال في استهداف الهوية الفلسطينية.
تميزت الثقافة الفلسطينية، ما بعد النكبة، بكونها ثقافة ذات طابع تقدمي تحرري، وهو ما ميز الأدب الفلسطيني في المراحل التاريخية اللاحقة حتى اتفاق أوسلو عام 1993م، عندما وجد المثقف الفلسطيني نفسه في مواجهة واقع جديد متطلباته تناقض مع ما كرس المثقف الفلسطيني المقاوم أدبه وكتبه له، فحدث تراجع ثقافي ما زالت الثقافة الفلسطينية تعاني من تبعاته.

المثقفون الفلسطينيون انقسموا، ما بين مؤيد لمشروع السلطة الفلسطينية، وهي سلطة تحت الاحتلال، ليس لديها صلاحيات، وهذا التأييد محكوم بالوظائف التي تبوأها هذا النوع من المثقفين في المؤسسة الثقافية الرسمية للسلطة، وبين مثقف حرص على استقلالية ما عن السلطة والفصائل الفلسطينية المختلفة التي اندرجت بشكل أو بأخر في مشروع أوسلو، ويمكن تقدير وعورة الدرب الذي اختير في هذه الحالة.
وفي هذه المرحلة الجديدة، غاب عن الأدب الفلسطيني ما يمكن أن نسميه الأدب المقاوم أو الأدب الملتزم، كما عرف عنه سابقًا، وجل مكانه نسبيًا أدب أقل خطابية يحاول أن يجد له مكانًا في الساحة الأدبية الفلسطينية التي عاشت أسوأ حالاتها بعد اتفاق أوسلو. ولكن من المؤسف ان العديد من الروايات التي أنتجت في السنوات الماضية، قدمت المحتلين وكأنهم شخصيات طبيعية يعيشون على أرض فلسطين ويتحركون وينتجون وكأنهم ورثوها عن آبائهم.
بالطبع عانى الأدب العربي من تقديم شخصية اليهودي بشكل كاريكاتيري معقوف الأنف، ولكن في الأدب الجديد قُدمت شخصيات محتلة غير واقعية أبدًا، وإنما مرسومة بشكل نمطي في أذهان الكتاب لإيصال رسالة ما.
الإرهاب الاحتلالي الذي يعاني منه الفلسطينيون، بشكل يومي ودائم، هو من الخطورة بحيث انه يهدد ليس فقط الأرض الفلسطينية، التي استولى المحتلون على معظمها، ولكن أيضًا الهوية والتراث والثقافة والفلكلور، حيث تتعرض هذه المكونات إلى عملية سطو كبيرة وذكية من قبل أذرع الاحتلال الأكاديمية والثقافية والأثرية والبيئية، وهي عملية من الصعب تقدير خطورتها بالكلمات، ولا يملك الفلسطينيون الإمكانيات الكافية لمواجهة هذه الهجمة، والمثقف المنتبه ويحاول المواجهة فانه يبدو كفارس يقاوم وحده، عندما يدافع عن نبتة تُهود، أو حكاية تُحرف، أو اسم غزال يتم تغييره، أو لقى أثرية تؤول.
ولكن أيضا يواجه المثقف الملتزم استهداف الهوية من الجماعات المتطرفة، التي لا ترى فلسطين إلا بشكل أحادي، وتعمل على إقصاء مفردات عديدة من هوية تكونت خلال أكثر من عشرة ألاف عام ومن المؤسف إن فكر هذه الجماعات صنع مناخا شديد الرجعية تغلغل إلى المجتمع الفلسطيني، كحال المجتمعات العربية الأخرى.
المثقف الفلسطيني العضوي يعيش هذه الأيام أخطر معاركه..!
(استطلاع لجريدة الرياض-منة الله الأبيض-25-3-2017)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق