أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 28 مارس 2017

"وشراعي في مينا يافا..!"






























في يافا القديمة، تقتحم رائحة البحر كل مسامات الفلسطيني العائد لفردوسه المفقود، حتى لو كانت عودة مؤقتة لن تستغرق ساعات، يتخللها الجزع، خصوصا لدى المواطنين الذين يصلون عروس البحر، تسللا بدون تصاريح من سلطات الاحتلال.

وقد يشعر الزائر، مع نسمات ريح غريبة خفيفة تهب من البحر، فجأة وبدون استئذان، بأغنية الأخوين رحباني عن ذلك البحار الذي نُكب يوم نكبت المدينة، ويحدث مستمعيه عن بحر يافا والميناء وعن شراعه الذي تركه في ميناء المدينة التي ابتلعها الاحتلال، وألحقها بمستعمرته الجديدة تل أبيب.
ميناء معتق
يعتبر ميناء يافا، واحدا من أقدم المواني في العالم، ووفق تقديرات علماء الآثار، فانه عمل منذ نحو أربعة آلاف سنة، تخللها فترات انقطاع، بسبب الاحتلالات المتعاقبة وآخرها الاحتلال الإسرائيلي الذي كتب شهادة وفاة للميناء في منتصف ستينيات القرن الماضي، ولكن لا شك بأنها ستكون مؤقتة، وسيعود للحياة من جديد، وشكلت شعاب الكركار حاجزا طبيعيا ومأوى للسفن.
من الأوقات العصيبة التي شهدتها مدينة يافا والميناء، فترة الحروب الصليبية، حيث خُربت المدينة، وأضحت قرية تتألف من عدة بيوت، وعادت للنهوض في أواخر القرن السابع عشر، ولم يكن الميناء صالحا لرسي السفن فيه، ومنذ عام 1875، كما يذكر محمد كرد علي في موسوعته (خطط الشام) بدأ التفكير في بناء مرفأ حديث في يافا، وفي سنة 1880، طلب وزير الأشغال في الدولة العثمانية بناء سد في عرض البحر طوله كيلو متر وقدرت نفقات المشروع أربعة ملايين فرنك، وتقدم جهات عديدة للحصول على هذا الامتياز.
ويمكن القول انه منذ منتصف القرن التاسع عشر تم توسيع الميناء وتطويره ولكن منعت دخول السفن الكبيرة التي ترسي في قلب البحر، وكان يتم نقل السلع والركاب إلى اليابسة بواسطة قوارب صغيرة، وفي عهد الاحتلال البريطاني أنشئ رصيف باطون وكاسر أمواج، ومخازن كبيرة ورافعات لتفريغ البضائع. أسطورة أندروميدا
من المدهش أن تمكن ميناء يافا من التعمير طويلا، رغم الأخطار الطبيعية التكوينية على الشاطئ، والتي تعرف بصخور أندروميدا، حيث أسطر الفلسطينيون الذين عاشوا في ظل الحضارة الهيلينية- الإغريقية هذه الصخور منذ فترة مبكرة.

حسب الأسطورة الإغريقية "فان ملك مدينة يافا، عندما علم بغضب إله البحر بوسيدون الذي هدد بتدمير المدينة، ضحى بأغلى ما يملك من أجل تهدئة الإله الغاضب، فربط ابنته أندروميدا الجميلة إلى صخور الشاطئ، كقربان لإله البحر الدموي، وانتظر حزينا مع شعبه موت الأميرة التي ضحى بها من أجل الشعب والمدينة. لكن البطل بريسوس قتل الوحش الذي أرسله بوسيدون وتزوج أندروميدا".
بعيدا عن الأسطورة، فان صخور أندروميدا استخدمت مراسي طبيعية، مع كونها خطرة للسفن التجارية وسفن الصيد منذ آلاف السنين.
نعلم من خلال يوميات الكثير من الرحالة، عن مهارة وشجاعة ربابنة القوارب الصغيرة اليافيين، الذين كانوا ينقلون الركاب والبضائع من السفن التي تتوقف بعيدا عن الميناء، ولم يكن عملهم سهلا، فمخاطر تحطم القوارب على الصخور من شدة الرياح، لم يكن نادرا.
وعمل العديد من رجال يافا، في حمل السياح على ظهورهم ونقلهم من السفن والقوارب إلى الشاطئ.
مدافع الشاطيء
حول المحتلون منطقة الميناء، إلى منطقة سياحية، بعد أعمال ترميم وتوسيع، غطت على جرائم هدم منازل المواطنين والاستيلاء على غيرها عام النكبة.
ومن ضمن الوظيفة الجديدة للمنطقة، كمسارات للسياح، تم نصب مدافع عثمانية قديمة، عثر عليها في التنقيبات الأثرية في ميناء يافا، وتبين أن هذه المدافع جلبها الحاكم العثماني للمدينة في بداية القرن الثامن عشر لحماية المدينة من غزو البدو من اليابسة والقراصنة من البحر، ولتقوية مكانة يافا، ووضعت على أسوار المدينة الحصينة حتى سقوط الأسوار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
الآن يافا مدينة بلا أسوار، شاهدة على التدمير الحديث لها على يد "قراصنة" البر والبحر الجدد، الذين قرروا وقف العمل في ميناء المدينة عام 1965م، التي كانت بوابة القدس وفلسطين على البحر طوال قرون، وتحول الميناء إلى ميناء ثانوي تستخدمه قوارب الصيد، وهناك في مكان ما على الكرة الأرضية بحّار ما زال يغني للبحر والميناء وشراعه الذي تركه على أمل أن يعود إليه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق