أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 9 يناير 2017

فراعنة من تمر..!




كيف انتقم مغلوبون فلسطينيون، في القرن الثاني عشر ق.م، من الغالبين، وعبروا عن عدم رضاهم من الغالبين المستبدين الفراعنة؟ أمر شبيه مما يمكن أن يحدث في الشرق الآن، وفي كل آن.

خضعت مدينة عسقلان الكنعانية، في القرن الثالث عشر ق.م، للحكم الفرعوني، الذي بسط نفوذه على أرض كنعان، وتظهر أسماء العديد من المدن-الممالك الكنعانية في رسائل تل العمارنة، وفي النقوش الفرعونية، ونصوص اللعنات على القطع الفخارية، التي تسلى الفراعنة بتحطيمها، ولعل تحطيم إناء فخاري خلف جار سمج مغادر، أو بلطجي سافل، أو حكومة ظالمة، أو صديق ثقيل ظل، تعود لتلك التقاليد.
ويبدو ان سكان عسقلان، أو بعضهم، أو ماسحي الجوخ منهم، أرادوا التقرب للموظف الفرعوني، جامع الضرائب، الحاكم بأمر فرعونه، فصنعوا له تمثالاً، يشبه كثيرًا التوابيت الفرعونية الطينية على شكل إنسان المستخدمة في كنعان خلال تلك الفترة، ولكن حال مثل الأعمال التي لا تُصنع بصدق، وإنما للممالئة (كصور الرؤساء والزعماء ورؤساء البلديات وأمناء الأحزاب..الخ في زماننا)، فان التمثال ولد غير متقن، ويبدو ان ذلك يشير إلى ضعف سيطرة الإمبراطورية المصرية في منطقة بلاد الشام في نهاية العصر البرونزي المتأخر، ما جعل ماسخو الجوخ يكلفون أرخص نحات يعرفونه، بصنع التمثال، دون خوف من العواقب.
الفلسطينيون، الذين ظهروا في منطقة السهل الساحلي الجنوبي الفلسطيني، ومنها عسقلان يصنفهم علم الآثار الكلاسيكي بأنهم من شعوب البحر، ولا يقبل النيو شوفينين، بان يكونوا أقل من الانتساب لقبيلة طيء العربية العريقة صاحب الحسب والكرم.
عندما سيطر الفلسطينيون على عسقلان، بنوا أسوارها، وخلال ذلك أمسك أحد العمال المتحمسين لأفكار قادته الذين حققوا نجاحا بالتوغل في كنعان، وبغلٍ رمى تمثال الموظف المصري المصنوع من الحجر الجيري في داخل السور، وشتم الفرعون ومن فرعنه، وأعقبها بشتيمة طالت أم الفرعون وزوجته المصون، وشقيقته البتول، ليقول بأن الفلسطينيين، ليسوا كأسلافهم نبي كنعان يخشون الفرعون، وحدس العامل، بأنه عندما يكتشف أحد التمثال القابع في الطين الذي يمثل سلطة الفراعنة الرسمية، سيعلم بان الفلسطينيين القدماء، عكسوا، بتعاملهم مع التمثال، عدم الاكتراث بهذا الرمز الفرعوني، وان العلاقات توترت بين شعوب البحر وفرعون الصحراء في القرن الثاني عشر ق.م. شعر بأنه منذور لمثل تلك اللحظة التاريخية.
بقي تمثال الموظف قابعًا في مكانه المظلم، لا نعلم بماذا كان يفكر، ولا نعرف شيئًا عن مزاجه، ونفسيته، حتى جاء محتلون جدد، لديهم ثأر بائت مع الفلسطينيين القدماء تفاخروا بأنهم لم ولن ينسوه، ونقبوا في المدينة الفلسطينية الساحلية، وعثروا على التمثال، ونظفوه، وأهلوه، ليعرض في معرض عن عسقلان في المتحف الفلسطيني المحتل في القدس المحتلة، وسيحتفظون به إلى إشعار آخر، أي إلى احتلال آخر.
عندما انقلب بن علي على بورقيبة، كنت في مقهى في قاع عمّان، أُقلب صحيفة أردنية، ولم أكمل التقليب عندما رأيت صورة لم تغب عن عينيّ حتى الان، لصاحب دكان في تونس العاصمة، يزيل صورة المجاهد الأكبر، ويضع مكانها صورة الجنرال الجديد، وعشت لأرى، مثلكم، صور الجنرال تداس في الشوارع.
هكذا تجري الأمور دائمًا في الشرق، حيث اخترع الناس آلهة، وما أكثرها، من تمرٍ وقيح، عبدوها، وعندما يجوعون يتناولونها..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق