أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 5 نوفمبر 2016

عواصف الجمال في بيت لحم..!


جاء الأمير النمساوي رودولف إلى فلسطين، أواخر القرن التاسع عشر، ليمارس شعفه بالصيد.
البرنس رودولف (21 أغسطس 1858 - 30 يناير 1889)، هو ولي عهد النمسا والمجر وفوقهما بوهيميا (أين تقع؟)، ابن فرانز جوزيف الأول، إمبراطور المجر والنمسا وبوهيميا، وزوجته الإمبراطورة إليزابيث.

وقد يبدو غريبا على صاحب السمو الإمبراطوري والملكي (التسمية الرسمية وشرحها يطول)، ترك أراضي النمسا وشقيقتيها، الشاسعة وتوابعها من دول، ومدن، وبراري، ليأتي إلى الطنطور، ودير مار الياس، على مشارف القدس وبيت لحم، وبيت ساحور، وبيت لحم، ودير مار سابا، والبحر الميت، وغور الأردن، وبيسان وطبريا، لكي يمارس هواية الصيد.
ولكنه منذ البداية كشف عن صائد خائب في داخله، كثيرا ما فشل في الصيد، إذا اعتبرنا تسميم الحمير، صيدا، لكي تكون بمثابة فخاخ تأتي إليها الضباع، وبنات أوى، إضافة إلى استهدافه لحيوانات برية فلسطينية مثل الخنازير، والوعول على أَجْرَاف البحر الميت الغربية.
ويسجل إليه، اكتشافه، ان الفلسطينيين يسمون ابن أوى: الواوي، بينما يسميه المصريون: التعلب..!
وربما الملفت في مذكرات رحلته، زيغ عينيه، والذي قد لا يظهر في الفقرة التالية البريئة وهو يصف نساء بيت لحم: "أمّا النساء فأكثر لفتا للنظر فهن ملتفات في أثواب واسعة مسبلة ملونة وقد لففن فوق رؤوسهن ثيابا بيضاء، وبشرة الواحدة منهن شاحبة وعيونها غاية في الجمال وكذلك ملامحها وشعرها. جمال يفوق الوصف. لم أر أبدا نساءً أجمل من نساء بيت لحم. أهذا العدد الكبير من النساء الجميلات في مدينة واحدة..!!، إن هذا لا يتأتى في أي مكان أخر. إن المرء لا يستطيع أن يلاحق بعينيه هنا كل النساء الجميلات. عاصفة من الجمال تتلوها عاصفة أخرى. إنهن نماذج من العذراء مريم النبيلة".
يستحق البرنس رودولف التقدير لنواياه النبيلة، ما دام يشبه نساء بيت لحم، بسيدة العفاف، والقهر لسيئي الظن.
ولكن أرشيدوق النمسا وولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية منذ ولادته، لا يترك لحسني الظن، الكثير، عندما زاغت عينيه، وهو في القداس، في كنيسة المهد، ليصف البيتلحميات وهن راكعات بين يدي الرب: "وركعت بعض نسوة بيت لحم الجميلات جمالا مدهشا-ركعن  على الصخرة الجرداء لقد كن متألقات تألقا غريبا في ضوء  المصابيح الخافت".
قتله لحيوانات الأراضي المقدسة، وبصبصته على حفيدات مريم العذراء، لم تكشف عن قلبه الرقيق، إلى درجة، انه غادر عالمنا، بعد ما يُعتقد انه اتفاق انتحاري مع عشيقته البارونة ماري فتسيرا. ليصبح بطلا لإحدى قصص الحب الخالدة عرفت باسم "مأساة مايرلنج".
تزوج البرنس، زواجا سياسيا، من ستيفاني ابنة ملك بلجيكا، ولكن قلبه لم يتحرك، إلا عندما رأى بعد ذلك بسنوات، في الأوبرا البارونة اليونانية ماري فتسيرا وكان عمرها 17 عاما.
وكما في الأفلام، علمت العائلة بقصة الحب ورفضتها، لأسباب كثيرة من بينها الخشية من زعل ملك بلجيكا، ولوضاعة أصول البارونة نسبة لأسرة هبسبورج أعرق العائلات الملكية الأوروبية. (أين أنت يا كنديد؟؟!!)
اتفق العاشقان، على اللقاء في قصر يبعد عن ڤيينا، التي لم يعد البرنس يأنس بها (بركاتك أسمهان)، أربعين كيلو مترًا، يعرف بقصر مايرلنج، وطلب البرنس، من ثلاثة من أصدقائه، اللحاق به، ليخرجوا في رحلة للصيد، وفي اليوم التالي، وجد البرنس وعشيقته، هامدين في غرفتهما.
أُعلن رسميا بان ولي العهد رودولف قد انتحر بعد أن قتل عشيقته، ولكن مثل القصص الكبرى، تحولت حكاية العاشقين إلى لغز، ألهم المسرحيين والسينمائيين، والكُتاب.
في عام 1968، قُدر لعمر الشريف، تمثيل دور البرنس رودولف في فيلم (mayerling) أمام كاترين دونوف، ولم يعجب أداءه، النقاد، فوصفوه بالجاف، ولم يتحل النجم العربي، بما يجب أن يتوقع منه، من كياسة، ورد: "لم أملك مفتاح الشخصية. لست هذا النوع من الممثلين. أؤدي رودولف مثلما أؤدي جميع أدواري. لست رودولف. لا اكترث بعقليته. كل ما اهتم به هو الذهاب للأستوديو في موعدي وتذكر الجمل التي علي أن أقولها."
يا للجلف الشرقي، الذي خبره البرنس في رحلته إلى الشرق..!
عذرا إدوارد سعيد..!
*الصورة فتيات من مركز التراث بإدارة مها السقا، خلال تصوير لصالح كتاب مصور.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق