أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 27 نوفمبر 2016

في مكتبة أسامة العيسة/يامن نوباني









 



بيت لحم 27-11-2016 وفا- يامن نوباني
ليست المكتبات مجموعة كتب، مصفوفة بانتظام على رفوف، أو موزعة على زوايا خشبية في أركان البيت، ولا هي الفوضى التي نشاهدها في طريقة حياة مثقف ما، حيث تظهر الكتب في غير مواضعها المعتادة، فوق التلفاز، تحت السرير، خلف الباب، وأماكن أخرى غريبة.

يقول الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل: كل مكتبة هي سيرة ذاتية. وترى الكاتبة الكويتية بثينة العيسى أن المكتبة هي مكان الأمكنة، المكان الذي ينبغي أن تضيع فيه، لتجد نفسك.
تستضيف "وفا" في حوارها الثقافي: "في مكتبة" شخصيات ثقافية ليتحدثوا عن مكتباتهم..
ولد الكاتب والصحفي الفلسطيني أسامة العيسة في مخيم الدهيشة في بيت لحم، عام 1963، أطلق كتابه الأول "ما زلنا نحن الفقراء أقدر الناس على العشق" في العام 1984، صدرت له عدة كتب أدبية وبحثية، في القصة والرواية والآثار وطبيعة فلسطين. فازت روايته "مجانين بيت لحم" بجائزة الشيخ زايد عن فئة "رواية الآداب" عام 2015، وأصدر مؤخرًا "رسول الإله إلى الحبيبة".
*كيف بدأت مكتبتك؟
-بدأت جمع الكتب في وقت مبكر من حياتي، في الوقت الذي كانت فيه فلسطين تشهد حصارا ثقافيا كبيرا يفرضه الاحتلال، فكنا في الثمانينيات نخبئ الكتب تحت التراب، صودرت مكتبتي أكثر من مرة، ومن الكتب التي صودرت لي كتاب عرس بغل للطاهر وطّار، وسلموني طلبا لمراجعة محقق عسكري إسرائيلي، ودار التحقيق حول هذا الكتاب، من هنا تأخذ المكتبة معنى عميقا، وليس رومنسيا فقط، ارتبطت بهم نشوء، دفاع عن النفس ودفاع عن الوجود، دفاع عن الهوية.
المكتبة مرت بمراحل، سافرت عام 1987 إلى الأردن، وكان عندي شوق كبير للكتب فقضيت عامين في مكتبة أمانة عمّان الكبرى أقرأ طيلة الوقت كنت مندهشا من هذا الكم الكبير من الكتب، وشعرت أنه فاتني الكثير، هناك تجارب جديدة وأجيال أدبية جديدة وكتاب عالميين مثل جيمس جويس وآخرين، كنا نسمع عنهم. فأين نحن؟ من ماذا يتكون الأديب حتى يكتب، ويقدم جديدا، فكونت مكتبة في السعودية، ولدي مكتبة في بيت شقيقي في عمان، لم يكن هناك إمكانية للعودة بهما إلى فلسطين. فبدأت بتكوين مكتبتي في الدهيشة، والآن أنقل مكتبتي على تخوم صحراء البحر الميت اسمها خلايل "قلايد" اللوز، هناك بيت غرفة كبيرة وسميتها بيت الياسمين وهي مطلة على أحد أبرز معالم الصحراء "الهيرديوم"، والتي بناها هيرديوس، وهو أحد أعظم حكام فلسطين. أقرأ وأكتب هنا في الدهيشة وهناك في خلايل اللوز.
*كتاب حميمي تحتفظ به في مكتبتك، وعلاقتك بالكتب المهداة؟

-إحدى الكتب التي أعتز بها، كتاب أهداني إياه الكاتب السعودي عبد العزيز مشري، والذي قدم كتبا مهما للمكتبة العربية خاصة في مجال الرواية والقصة القصيرة، لا أستطيع أن أحدد الذين أهدوني كتبا فهم كثر، من الطرائف أن بعض الأصدقاء تخلوا عن كتب عليها إهداءات كتبت إليهم من كتاب. أُفضل أن أشتري الكتاب لأني أعلم معاناة المؤلف، ونادرا ما أقبل هداياه. الكثير من الأصدقاء يعاتبونك على عدم إهدائهم كتبك، وأنا لا أستطيع أن ألبي لهم ذلك.
*حدثنا عن مكتبة صديق؟
-مكتبة الدكتور خضر سلامة، وكان مديرا للمتحف الإسلامي في المسجد الأقصى، ويعمل الآن في مكتبة الجامعة العبرية، لديه مكتبة زاخرة ومهمة ومثيرة، فيها مخطوطات وكتب جمعها قبل العام 1967، فكنا نجد في مكتبته ملاذا.
*قصص طريفة حدثت في مكتبتك؟
-هناك كتاب شعر لليلى علوش، وصلني صغيرا، كان بدون غلاف فجلدته، وديوان أبو القاسم الشابي، عثرت عليه في أحد الشوارع وجلدته، وما زلت أحتفظ بهما.
*كيف تبدو علاقتك في أسعار الكتب؟
-الكتب رخيصة الثمن كنت أشتريها سابقا، في آخر خمس سنوات أصبحت أشتري الكتب غالية الثمن، الموسوعة الأثرية التي حررها إسرائيليون وغربيون حول الآثار الفلسطينية في الأراضي المقدسة، وهي خمس مجلدات. الكتب التي اقتنيها الآن غالية الثمن.
*هل تحلم بكتب غير التي تمتلكها؟
-بالطبع أحلم بكتب كثيرة، لكنني تمكنت من الوصول إليها بتحميلها الكترونيا، منها الملفات التي تخص حملة إبراهيم باشا على فلسطين التي أعدها زكي رستم، إضافة إلى "الساق على الساق" لأحمد فارس الشدياق.
*هل سرقت وسُرق منك؟
-سرقت كتبا في المرحلة التي لم يكن فيها معنا أموال، كانت شائعة بين الأصدقاء، وهي سرقات جميلة وغير مؤذية، سرقت الأدب الروسي، فتنّا فترة طويلة به وبخاصة كتب جنكيز ايتماتوف. وأيضا سرق لي، كتب الناقد محمود أمين العالم، النزعات المادية في الفلسفة العربية والإسلامية وهو من جزأين الدكتور حسين مروة، كتب نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.
*هل تحلم بمكتبة ما شكلا ومضمونا؟
- نحن من ثقافات لا يوجد فيها للمكتبة مكان في المنزل، المكتبة ليست جزءا من ثقافاتنا ووالداي كانا أميين وفلاحين بسيطين. أن تكون لك مكتبة هو جزء من انتزاع حقك، كنت أطمح الى مكتبة كبيرة يكون فيها قسم خاص بالأرشيف، لأنني تنبهت مبكرا لأهمية الأرشيف للكاتب والباحث، أهمية الورقة، أهمية الوثيقة. أحلم أن تكون من عدة غرف فيها غرفة للكتابة، مكتبة مبوبة. فأنا أعتمد على الذاكرة البصرية، في استخراج كتبي من الرفوف.
*كم تحوي مكتبتك من الكتب وما هي اهتماماتك في الاقتناء؟
-تحوي مكتبتي 3 آلاف كتاب. كانت بداياتي اهتمامات بالكتب السياسية، وخاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية، نجيب محفوظ، عبد الرحمن الشرقاوي، صاحب رواية الأرض هناك فنيات، لدي أيضا كتب سينمائية.
*حسب ايكو يجب أن تحمل المكتبة صفات اللا متوقع، والمصادفة، هل تحمل مكتبتك ذلك؟
*بعض الأصدقاء وزوار مكتبتي كانوا يعتقدون أنه ربما يتعرفون على اتجاهات سياسية ما فقط من خلال المكتبة وكانوا في كثير من المرات يصابون بالخيبة، وجهة نظري في الحياة أو وجهة نظري الفنية في الكتب، لدي من ماركس الى سيد قطب، لدي من الكتاب المقدس الى القران، لدي من روايات نجيب محفوظ الى روايات أكثر حداثة.
*هل تفضل أن يمكث أحد في مكتبتك، أم أنك تتحاشى تعلق أحد فيها؟
-هذه المشاعر ربما كانت في سن مكبر، مع تقدم العمر استخدم مكتبات غيري وغيري يستخدم مكتبتي، الحرص على النزعات الملكية تخف مع الوقت، الآن إذا سرق كتاب من مكتبتي لا أظن أنني سأخوض معركة لاسترجاعه، قبل اليوم ربما تقوم حرب شرسة من أجله.
*هل تخفي كتبا ما عن زائريك؟
-كتبي متاحة للجميع، لكن هناك كتب الموسوعات والكتب الثقيلة لديها مكانة خاصة وأعود إليها كمراجع بشكل دائم، فقط الكتب ذات الطابع النادر أو المتعلقة بعمل موسوعي أضعها في خزانة مغلقة ويكون لها اهتمام أكبر.
*هل خططت بعد الموت أين ستذهب مكتبتك؟
-أفكر في تقديمها لإحدى المكتبات، وأفضل أن تكون فلسطينية، هذا الشعور رافقني من عمر مبكر جدا، في 1983-1984، كان في المخيم مناضل اسمه إبراهيم يوسف، كان أحد القيادات الوطنية، عندما توفى بشكل طبيعي، اقتحم الاحتلال منزله وقام بإحراق مكتبته، فوصلت الى منزله واستطعت إنقاذ بعض المجلات التي كانت رائجة في نهاية الستينيات. فكان لدي هاجس كيف نحمي هذه الكتب، لذا لا بد أن يكون لدينا دار وطنية للكتب، فيها ركن للكتب التي يتبرع بها أصحابها، وشخصيا أمتلك أرشيفا جيدا أعتقد أنه سيخدم الباحثين في فترة لاحقة.
ي.ن/ خ.خ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق