أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 22 أكتوبر 2016

الدوّار..!


غيّر الاحتلال، ببطء تدريجي، قاسٍ، وقاتل، جغرافية الأراضي المحتلة، لجغرافية استعمارية كولونيالية جديدة، تخدم المشروع الاستيطاني الذي يتجاوز سلب الأرض، إلى حشر أصحابها في سجون، وتنفيذ سياسة فصل عنصري، وبناء تاريخ وجغرافية ورواية جديدة استعمارية.

في مثل هذه الأجواء، وفي السنوات التي أعقبت اتفاق أوسلو، ظهر دوّار العيزرية، التي أخذت اسمها، من أول شخص (ولعله الأخير) الذي يعود من الموت بمعجزة إلهية. لاحقا، تم تبني اليعازر من السكان الذين غيروا دينهم، باعتباره العزيز، أو وجدوا وشائج بين الشخصيتين المسيحية والإسلامية.
يعتبر الدوّار رمزًا، للجغرافيا والتاريخ الجديدين، على بعد قليل من الجدار المحيط بالقدس. يبدو ان الدوّار لم يكن كافيا، لتؤكد بيروقراطية ما بعد أوسلو وجودها، سمته بلدية العيزرية، دوّار القدس، بزهو وطني، وتأكيد لا مراء فيه، على مجاورة قرية اليعازر والعزيز، لمسرى الرسول العربي، وصعود المسيح الفلسطيني.
ولكن، ولان القضايا كثيرة التي تستحق أن تخلد على الدوّار، تم إضافة تسمية أخرى له باعتباره (ميدان الأسرى المقدسيين)-أي حاملي بطاقات هوية القدس.
وأرادت حركة فتح، أو ناشطين منها على الأقل، تأكيد وجودها على الدوّار، فتم وضع شعار الحركة (العاصفة) مرسوما بالأسود.
ويبدو ان جهة أكثر راديكالية، على الأغلب محسوبة على الحزب الحاكم، أصبح لها رأي بتسمية الدوّار، فاختارت لها اسمها كاسرا: "دوّار الكواسر" وفي محاولة للتفوق على التسميتين الرسميتين، اختارت شعارا للدوّار: سيف وعلم البلاد، تم رسمهما على الدوّار، وفي محاولة للتأكيد على الاسم، تم كتابته بشكل شخبوطي بجانب الاسمين الرسميين.
في السنوات الماضية، لطالما وجدت نفسي على الدوّار، خصوصا في الليل، قادما من أريحا، أو رام الله، أو نابلس، أو منتظرا ناسا، أو متوقفا مع آخرين للتزود بفطائر لرحلات تعرف على البلاد، والغريب ان لا احد من الناس، أو السائقين يعلم بالتسميات المتعددة للدوّار، ولو قلت لسائق أريد النزول على دوّار القدس، أو الكواسر، أو الأسرى، فلن يفهم عليك، هو بالنسبة للناس الدوّار فقط، أو على الأكثر دوّار العيزرية. ولا يبالي أحد بالشعار الذي اختير للدوّار، وهو دلة قهوة عربية، وضعت على رأس النصب في الدوار، وعليها علم للبلاد، أصبح متربا وكالحا من الأتربة والتلوث.
ولكن أعجب ما في الدوّار هو البدوي، الذي ظهر كسمسار للمركبات يُدفعها أرضية وقوف، ويحاول ممارسة سلطته، التي يصعب معرفة من أين أخذها في فرض قوانينه على المركبات، ولاحقا بنى كشك قهوة ومشروبات خفيفة. هو في الواقع صاحب القوة الحقيقية في جغرافية الدوّار. ولطالما كانت مراقبته من قبلي، والتحدث معه أحيانا، التسلية الوحيدة في ليل العيزرية المترب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق