أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 12 مايو 2016

كم لون للموت؟!!



عمل البروفيسور ستيورات ماكلستر، في قريتي زكريا، مساعدًا للدكتور بيلس في حفريات تل زكريا (عزيقة التوراتية)، وكتب يوميات عن مشاهداته في القرية، ومنها ما خطه عن ما حدث في الثامن عشر من أيلول 1899م، في مقالته (A Day in a Fellah Village) التي نشرت في مجلة Palestine Exploration Quarterly/ Volume 47, Issue 1, 1915.
وكما يمكن ان نلاحظ، من عنوان المقال فان ماكلستر، يتبنى جغرافية التوراة، وعمومًا، رغم كفائته، ورئيسه بلس، إلا انهما، تبنيا، مفاهيم تواراتيه في تحقيب تاريخ تل قريتنا، وأعادوها مثلا إلى المراحل: عصر ما قبل الإسرائيليين المبكر، عصر ما قبل الإسرائيليين المتأخر، المرحلة اليهودية، المرحلة السلوقية..الخ.
في اليوم الذي تحدث عنه ماكلستر، شهدت قريتنا خمسة أعراس، وهو ما يتوافق مع موسم الحصاد، العرسان (ذكورًا وإناث) في أربعة أعراس من القرية، إلا عرس تم وفق زواج البدل مع عريس وعروس من بلدة أخرى، وكان على عروس قريتنا ارتداء الأحمر، ليغطي جسمها، شعار حزب قيس، في حين أن العروس التي من البلد الأخرى، غطوها بالأبيض رمز الحزب اليمني. وكما كان يحدث في أغلب الأحيان انتهى العرس بطوشة، نتيجة التحزب.
يمكن تقدير الجهد الذي بذله ليضمن ليعبر عن ما حدث: "في نهاية العرس الأخير، أصيب بعض الناس بجروح خطيرة، وما زال عدد ممن شارك في الحدث في السجن"، وأخبره الناس، عن مقتل رجل من قريتي، عندما جيء بعروس من بيت نتيف، القرية الجارة لنا. ماذا سمى ناسنا مقتل هذا الرجل (وغيره) كنوع من العزاء لهم ولأهله: "شهيد العرس مثلاً"..!
عندما خرج رائد الحردان، من السجن، بعد عشرين عامًا، في رواية (قبلة بيت لحم الأخيرة) وبحلق في ملصق لشهيد على جدار في رام الله، نعي بصفته ضحية الاستهتار الأمني (علينا أن نعلم بأنه يختلف عن الانفلات الأمني مثلا)، أخذ يعدد الأسباب التي يموت الفلسطيني بسببها، من التضحية لأجل الوطن، وحتى التضحية به من قبل الأنظمة العربية العميلة والثورية، إلى ضحايا الفصائل نفسها (من يذكر مثلا شهيد النقاط العشر، من الجبهة الديمقراطية؟) إلى أنواع لا تنتهي من الموت..!
مع انتهاء هذه الانتفاضة اليتيمة، التي نفست قليلا، مجرد تنفيس للازمات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية...الخ، والثمن دفعه غاليًا فتية فلسطين، فُتح المجال لاستقبال ضحايا الاحترابات، فلسطين ستكون على موعد مع صيف مروع..!
لا يُسأل الأموات عن لون الموت..!

كم هو مريع أن يصبح الموت، ببساطة، مجرد موت..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق