أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

خِربة عزيز: الآثار الضائعة..!







































تقع خِربة عزيز (تلفظ اعزيز) إلى الجنوب من بلدة يطّا، وهي إحدى الخرب والمواقع التابعة لها، ويحلو للبعض القول، بانها قرية (كفر عزيز) الرومانية، مكانها على رأس تل مرتفع، أمن لها موقها استراتيجيا، يحيط بها من الجنوب، والشرق، والشمال وادي المرج، الذي يُسمى أيضا وادي عزيز.

وحسب دائرة الآثار في حكومة الانتداب البريطاني، فان الخِربة تحوي أنقاض بيوت، وشوارع، وأعمدة، وأبنية، وحجارة منحوتة، وحجارة ملساء.

مقابل هذه الخِربة على المنحدر تم الكشف عام 1989 عن مدفن محفور في الصخر, مدخل المدفن (هو شكل كهف أو كوخ) محفور بالصخر في وسط مصطبة صخرية عرضها 1.5 م وارتفاعها 1.5م مقطوعا في المنحدر الصخري.

في وادي عزيز، وإلى الجنوب الشرقي من الخِربة، تقع بئر عزيز. التقيت في الوادي معلم المدرسة فادي شنّران، من سكان الخِربة، الذي تطوع لمرافقتي. مطالبا بالاهتمام أكثر بالخِربة وسكانها الذين يصل عددهم إلى نحو 1500 نسمة.

تقع البئر في قطعة أرض محاطة بجدار اسمنتي غير مرتفع، تحوي خزان ماء، فوهة البئر على شكل دائري، مبنية من الاسمنت، حوله تشكيل اسمنتي دائري فيه حفر استخدمت لسقاية الأغنام.

وبجانب البئر مشرب حجري قديم، خضعت البئر لترميم، بتمويل من مكتب الاتحاد الأوروبي للمساعدات الانسانية

والتنفيذ من قبل المجموعة المدنية الطوعية الايطالية ومجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين وذلك خلال عامي 2004-2005.

محمد شحادة أبو عرام، وهو مؤرخ محلي ليطّا كتب عن بئر عزيز: "بئر طولها ما ينوف الثمانية أمتار، وماؤها لا يزيد وخاصة في السنة الماحلة، ويستعمل لسقاية سكانه ومواشيهم".

صعدت مع فادي إلى الخِربة، وأراني آثارها المتناثرة، وعلمت منه، ان عائلتي شنرّان، وأبو ملش سكنتا في المغر الكثيرة في الخِربة، منذ عشرينات أوّ ثلاثينات القرن العشرين، ثم تم بناء المنازل من حجارة وأعمدة الخِربة، ويمكن ملاحظة اعادة استخدام الحجارة الأثرية، في غير مكانها، في البناء الجديد، ومثال ذلك، حجر نُقش عليه، صليب شاهدته، على جدار غرفة تعود للحاج الحاج حسين شنرّان الذي أخبرني بان عمره يزيد عن الثمانين عاما. وسكن الخِربة منذ عام 1920م.

وحدثني الحاج حسين عن استخدامات السكان لمياه البئر، التي هي عبارة عن نبع ماء، ولكن المياه لم تكن غزيرة. وتحدثت زوجته كيف كانت العائلات تسهر طوال الليل، خصوصا في نهاية الشتاء، لكي تُحصّل حصّتها، من الماء.

وبعد مغادرتي منزل الحاج حسين، أراني فادي، المزيد من القطع الأثرية المهملة والمرمية، ومنها أعمدة تم تكسيرها، واستخدامها في بناء السناسل. واعداد كبيرة من الآبار القديمة المهملة، والمغر المنحوته في الصخور.

في منزل فادي التقيت والده حمّاد خليل شنّران، الذي حدثني كيف كان وعمره 12 عاما، وكان ذلك في بداية سبعينات القرن الماضي، يربط أهله حبل على وسطه ويدلونه إلى البئر حتى يلامس الماء، ويعبيء بطاسة المواعين التي ترفع إلى الأعلى.

في يوم الثلاثاء 27 تشرين الأول سنة 1874م، وصل إلى الخِربة المؤرخ نعمان القساطلي الذي كان يعمل مع صندوق استكشاف فلسطين البريطاني، وسجل لنا مشاهداته: "هي خِربة قديمة مبنية على تلٍ، وحولها شرقاً وغرباً وادٍ يسمى الجانب الشرقي منه بمرج عزيز الشرقي، والغربي بمرج عزيز الغربي. وفي الوادي الشرقي بئر ماءه نبع، ويسمى هذا البئر بئر عزيز، والخربة هذه ذات سور عظيم وله أبراج كثيرة؛ مبنية بحجارة كبيرة، وأكثرها ظهوراً في الجهة الغربية منه، ويحيط به سور آخر بعض آثاره ظاهرة حتى  الآن، وكل بنايات هذه الخِربة من حجارة كبيرة، وفيها ما ينوف عن أربعين بئراً منقورة بالحجارة، وحولها آثار معاصر خمر كثيرة".

ومما شاهده أيضا: "وفي الغرب من هذا؛ عمارة عظيمة أيضاً، غير أنه لا شيء يدل على هويتها، ماذا كانت؟ وتلتها مرتفعة وبها عواميد مكسرة ملقاة على رجم الحجارة والتراب. وقد قسنا  عاموداً مقسوماً إلى قطعتين، وفي هذه الخِربة مغائر كثيرة كبيرة منقورة بالحجارة لم أر مثلها في غيرها".

وكتب أيضا: "وفي جانب هذه الخِربة الشمالي لجهة الشرق (شرقي المدينة) خمسة أعمدة مكسرة ملاصقة بعضها ببعضها، وأمامها خمسة عواميد واقفة حتى الآن، وخلافها مكسرة وملقاة فوق رجم التراب والحجارة، وهي على ترتب غريب، فإنها كانت مركونة على شكل مثلث".

وبدا القساطلي مأخوذا مما رآه وهو كثير في الخِربة: "ويبلغ محيط هذه الخِربة نحو ميل ونصف أو أكثر، ولو قصدت التكلم عن كل شيء فيها بالتفصيل لملأت كراساً كبيراً".

بعد كل هذه السنوات، مما سجلته بعثة صندوق استكشاف فلسطين، عن وضع الخِربة وتدمير الآثار فيها، لم يطرأ تغيير، سوى مزيد من التدمير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق