أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 10 ديسمبر 2015

صرخة المجانين تدوي أخيرا بعمل روائي/كريم عبد الهادي


من عساه يكتبها? رواية تنعجن بها ذات الراوي المراقبة, بحرفية الصحفي وبنزاهة طفل حزين على أمه المريضة, لوطن ومخيم كتبت له الأقدار احتضار الجنون والمجانين?

 /

اختار أسامة العيسة الكتابة دربا فقادته أنها لم تكن للإنسان المظلوم والوطن المكلوم فما عساها تكون? جال في الوطن وتتبع مآسيه من احتلال فاشي إلى سلطة فاسدة, استنطق, وهو الصحفي الحائز على المركز الأول في جائزة الصحافة والإعلام, فلسطين تاريخا وأرضا وتراثا وإنسانا وشهيدا وجريحا وفسادا في مقالاته, لكن ما عساه يكتب في روايته وهي خطابه الطويل? أي قنبلة سيفجرها وجدانه?

 /

إن كان الإنسان هو الحاضر الغائب في كل ما كتب أسامة العيسة فإن ثمة أناس لنا ومنا لم تعد أرجلهم ثابتة على الأرض, ولم يعد عقلهم متماسكا مع أفراد المجتمع, ولا قدراتهم تؤهلهم لكسب العيش أو الحياة بشكل طبيعي..يتألمون ولكن حتى أهاليهم لا يسمعون بعد أن تركوهم في دير المجانين, تركوا لأقدارهم وحدهم حيث تأكل السلطات أرضهم ويتجرأ المجتمع على كرامتهم ويستغل ضعاف النفوس عوزهم فمن يحكي عنهم? من يا تراه أهله ضميره وقدراته الفنية وخبراته الصحفية وتجربته الثرية حتى يكتب حكايتهم?

 /

هي رواية "مجانين بيت لحم" الصادرة عن دار نوفل، والحائزة على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الآداب من أخذت على عاتقها أن تحكي حكايتهم وترسم عالمهم وتقترب من تفاصيلهم حيث تشرع الرواية, محاولة أن تحبك القدر الجنوني لمخيم الدهبشة حيث يمكث المجانين بديرهم, تحاول أن تؤسس الجنون في المخيم بشخصيات تاريخية مروا في أرضه وسكنوا بيوته, رابطة الجنون الذاتي للشخصيات التاريخية المذكورة بالجنون السياسي والجنون المكاني وصولا للفصل الثاني وهو "سفر من لا سفر لهم" حيث يسهب الراوي, بمعرفة غزيرة وعين دقيقة وخبرة حياتية لا يستهان بها, بوصف مجانين الدير وصفا لا يرطن بالخطابات الفارغة ولا الصور النمطية...يشرح ظروفهم ويسترسل في مآسيهم ويفضح مستغليهم...أرض ومجتمع يذيقوا المر لأضعف شريحة بهم ولا تعطيهم الاهتمام الكافي جدير بها, تريد الرواية أن تقول, أن تعيد حساباتها ولكن الراوي, وبعد أن يحدثنا عن الجنون السياسي للسلطات المحلية والجنون الديني لمعتنقي أديان أخرى في الفصل الأخير "في المشمش", يبقي جذوة الأمل فلا يستسلم لكل هذا الظلم, ظلم السلطات الدولية والمحلية والصهيونية وتكالب الجنون على المكان والإنسان, لا يستسلم ولا يستمع لنصيحة صديقه المجنون بدخول دير المجانين فالكتابة مصير وعلى هذه الأرض-فلسطين ما يستحق النضال!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق