أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

شروق على البحر الميت..!




















 

نظر فرحان رشايدة، إلى الصحافيين المتزاحمين على الجرف الصخري المطل على البحر الميت، مُبشرا: "ستشاهدون، ما لن تنسوه طوال حيواتكم أبدًا".

فرحان رشايدة، دليل محلي، من قرية الرشايدة، شرق بيت لحم التي تمتد أراضيها حتى البحر الميت، يتعاون مع مؤسسة مسار إبراهيم في تنظيم مسارات مشي، في البرية المترامية، التي تسيطر عليها قوات الاحتلال.

مشاركة الصحافيين في المسار، يأتي ضمن سعي مؤسسة مسار إبراهيم، لنشر الوعي المحلي بأهمية السياحة البيئية، كما تقول غيداء راحيل، مديرة البرامج في المؤسسة.

"الاهتمام الخارجي بالمسار، الذي يقطع الضفة الغربية، ويشمل بيوت استضافة محلية، ويهدف للتنمية المجتمعية، أكبر بكثير من اهتمام المجتمع المحلي، نريد نشر الوعي بين أبناء شعبنا، بأهمية المسار، والمشاركة فيه"-تضيف راحيل.

على ربوة مطلة على ما حولها، كان في استقبال الصحافيين، محمد رشايدة (أبو إسماعيل) المشرف على الخيمة البدوية التي بادر لإنشائها، قبل ست سنوات، كمشرع سياحي في منطقة عرب الرشايدة، التي يعيش فيها نحو ثلاثة الاف من البدو، الذين عانوا منذ سنوات الاحتلال الأولى، وشُردوا من أراضيهم، واعتقل العديد منهم، لمشاركتهم في المقاومة، ومساعدة الفدائيين بالتسلل إلى الأراضي المحتلة.

أبو إسماعيل، كان يعمل في مشروع يملكه إسرائيلي على البحر الميت، ولكنه اختلف مع مشغله، فقرر المغامرة، وتأسيس مشروعه الخاص، وتقديم الرواية الفلسطينية حول المنطقة.

يقول أبو إسماعيل، بان التجربة حققت نجاحا نسبيا، واتخذت زخما الان بتعاونه مع مؤسسة مسار إبراهيم، مشيرا إلى ان الموسم السياحي في الصحراء يبدأ في شهر تشرين الثاني ويستمر حتى شهر نيسان، ولكن بالتعاون مع مسار إبراهيم، تم استحداث مسارات ليلية إلى البحر الميت في أشهر الصيف أيضا.

أبو إسماعيل، من الممتنين لاتفاق أوسلو، وقد يكون أحد الفلسطينيين القلائل، الذين يحملون هذا الامتنان. يقول: "هذه البرية، كلها مناطق عسكرية، وبعد اتفاق أوسلو، تم تفكيك معسكر كبير لجيش الاحتلال استمر 25 عاما، ووفقا للاتفاق اعلنت مناطق من هذه البرية، كمناطق خضراء، وهذا ساعد على حدوث انفراج في وضعنا، رغم المعاناة المستمرة، وتأسيس مجلس بلدي، وبناء مدرسة، وايصال الكهرباء والماء إلى عرب الرشايدة".

استمع الصحافيون، الذين يختبر معظمهم، ليل الصحراء الفلسطينية، لأوّل مرة، إلى شاعر شعبي محلي، يعزف على الربابة، والسمسمية، ومزج، فيما قدمه، بين الأغاني التراثية البدوية، والواقع الصعب الذي يعيشه شعبنا تحت الاحتلال.

انطلق بعض الصحافيين، للتجول قليلا في البرية المحيطة بالخيمة، ولتصوير النجوم، التي ظهرت بوضوح في السماء. واعتبر مصور وكالة وفا أيمن نوباني، وزميله شادي جرارعة، الأمر فرصة.

شرح نوباني وجرارعة تقنية عمله في تصوير النجوم: "نعد الكاميرا لتستوعب ما تقدر عليه من اضاءة، لمدة 20-30 ثانية، ثم تلتقط الصورة".

وعندما أوى الصحافيون إلى النوم، في خيمة متطاولة، أُعدت للمبيت، كان الأمر بالنسبة لهم، بمثابة استراحة قلقة، في انتظار القادم.

ما بين الساعة الثانية والثانية والنصف فجرا، كان الجميع، خارج الآسرة يتحلقون حول شعلة نار، أوقدها الصحافي شادي جرارعة، الذي لم ينم، يرتشفون الشاي الذي أعده أبو إسماعيل، استعدادا للانطلاق.

وزع ماهر قسيس، المرافق للمجموعة من قبل مؤسسة مسار إبراهيم، مصابيح صغيرة على الصحافيين، مع تعليمات حول ضرورة استخدام الانارة في الطريق.

وعندما انطلق الموكب في ليل الصحراء، كان الشاب إسماعيل رشايدة، في المقدمة يحمل مصباحا كبيرا، بينما التحق أبو إسماعيل، بسيارة الدفع الرباعي الخاصة به، بالسائرين ليلا، بعد ان قطعوا تقريبا نصف المسافة، وسار خلفهم، لحمل من يتعب منهم.

سار الصحافيون، في وادي الشقف، الذي سارت فيه المياه لسنوات لا تعد، فشكلت حجارته، ولا يخلو الوادي من النباتات الصحراوي، واشهرها القيسوم.

توقف الصحافيون، لالتقاط الصور للنجوم، التي كانت تختفي وتظهر، ولبعض معالم المسار، مثل الابار، ولبقايا شجرة بطم معمرة، هزمتها الطبيعة، فسقطت، واهتمت بها سلطة الطبيعة الاسرائيلية، كما يقول إسماعيل رشايدة، ووضعت لوحة تعريفية عنها، ولكن السيول جرفت اللوحة.

عندما ترآى البحر الميت للمشاركين، دبت العزيمة من جديد في بعض الأجساد الواهنة، بعد ثلاث ساعات من المشي، وقلة النوّم.

وما ان وصلوا إلى الجرف الصخري المرتفع الذي يبدو البحر الميت أسفله، مسطح أزرق له قدرة جذب قوية، حتى سارعوا في نصب كاميراتهم، حتى لا يفوتهم تصوير الشروق الذي قطعوا لأجله كل هذه المسافة.

فرحان رشايدة، كان يتنقل بسهولة على الجرف، مثل الوعول، التي تسكن الأجراف منذ الاف الأعوام، ويبدي ملاحظات، ويقدم معلومات مكثفة.

تأخر الشروق قليلا، حجبته بعض الغيوم، وعندما بدأت الشمس وردية الاحمرار تظهر، كان الهدوء يلف المكان، أُخذ الصحافيون بالمنظر، وبطيئا، شقت أشعة الشمس الوردية البحر، وخيل للمشاركين انها وصلت إليهم، ومن بينهم جميل ضبابات، الصحافي الذي اشتهر بقصصه الصحافية عن الطبيعة الفلسطينية، وبعضها حصل على جوائز مرموقة.

"إنه الشروق الأجمل في العالم"-قال قسيس وهو ممد على الصخور، بلغة الخبير الذي زار دولا عديدة في العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق