أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 29 يوليو 2015

عطوة في كنف السيدة..!














بالنسبة لأهالي مدينة بيت ساحور، لا يوجد مكان أكثر مناسبة، من الساحة المحيطة ببئر السيدة، لاستقبال الجاهة، لأخذ عطوة بين عائلة سباتين من حوسان، وعائلة عودة من المدينة، فالبئر، ارتبطت بتقاليد يشترك فيها المسلمون والمسيحيون. واعتبرت لسنوات طويلة، رمز الحياة اليومية في بلدة الرعاة، قبل ان تكبر وتصبح مدينة، فخرت في يوم من الأيّام، ان فيها أكبر نسبة من حملة الشهادات الأكاديمية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى فخرها بسجل نضالي حافل.

تجمع الناس قبل الموعد، بينما كانت الجاهة تتجمع في قاعة الشهداء في مخيم الدهيشة، وعندما وصلت بئر السيدة، لملمت نفسها خارج المكان، حتى تقدمها داود الزير، وهو نائب سابق في المجلس التشريعي الأوّل الذي عمّر اكثر من 10 سنوات، وأبو خليل اللحام، وهو نائب حالي في المجلس التشريعي المعطل، والذي تجاوز مدته بكثير.

ألقى هاني الحايك رئيس بلدية بيت ساحور، كلمة ترحيبية، لم تخلو من رسائل، أشار أولا إلى بركة المكان، ومكانة السيدة العذراء، ثمّ حيّا شباب بيت ساحور، قائلا بانه لم يكن احتجاجهم، إلا للمصلحة العامة، ولوضع الأمور في نصابها، واحقاق العدل، والاشارة إلى الأحداث التي شهدتها المدينة، من إغلاق طرق وحرق اطارات، للمطالبة بإنجاز العطوة بين عائلة سباتين، وأُشير دائما إليها بوصفها (حوسان)، وعائلة عودة، وأُشير دائما إليها باعتبارها (بيت ساحور).

وصدف في يوم الاحتجاجات الأوّل والأكثر صخبا، وجود الحاج إسماعيل جبر، مستشار الرئيس محمود عباس، والدكتور حسين الاعرج رئيس ديوان الرئاسة، في بيت لحم عشية زيارة رئيس الوزراء الايطالي للمدينة، فتوجها إلى بيت ساحور، حيث عُقد اجتماع في دار البلدية، تكفلا خلاله باسم الرئيس بحل أية اشكالات. وفي نفس الليلة أعلن الرئيس من قصر الضيافة في بيت لحم، اعتماد الضحيتين الدكتور محمود سباتين وأمل عودة كشهيدين.

تحدث باسم أهالي بيت ساحور جمال الدَرّعاوي، وهو شاب من عرب التعامرة، مشيرا إلى رمزية حديثه باسم أهالي مدينة الرعاة، واعتبار ذلك تأكيدا على وحدة شعبنا الذي لا يفرق بين مسلمين ومسيحين.

والدَرّعاوي، الناشط في السياسي في الانتفاضات التي خاضها شعبنا، صاحب سيرة نضالية، ذات افاق ديمقراطية تقدمية، أراد أيضا ان يرسل رسائل عدة منها تأكيده، على أهمية الوجه الايجابي للقضاء العشائري الذي لعب في فترة الاحتلال، كما قال دورا مهما في التحقيق والادعاء وانفاذ القانون بعدل.

من الجانب الآخر تحدث داود الزير، وأبو خليل اللحام،  مؤكدين على عمق العلاقات بين مختلف أبناء شعبنا، والجهود التي بُذلت لمحاولة رأب الصدع، وانه لم يكن هناك أي تأخير بالنسبة للعطوة، ووجها انتقادا لما ينشره رواد الفيس بوك، مشيرين إلى الدور الخطير جدا الذي يمكن ان ينتج عن نشر اشاعة أو معلومة غير دقيقة، وطالبوهم باتقاء الله فيما يكتبون.

بعد خطابات الترحيب التقليدية، همست الصحافية ميرنا الأطرش في أُذني، بان الدراما في العطوات العشائرية بدأت. ولم تبتعد الأطرش، المرأة الوحيدة تقريبا بين الحضور، والتي حازت على تنويه لدورها الإعلامي من جمال الدَرّعاوي، عن الحقيقة كثيرا. بدأت فعلا مرحلة الشد والجذب بعد ان طلب الدَرّعاوي باسم بيت ساحور 50 ألف دينار، كفراش عطوة، ولكن الطرف الآخر، طلب التساهل، والنظر بعين الاعتبار لأمور كثيرة.

وعندما وصلت الدراما ذروتها بدفع 25 ألف دينار مغلفة بكيس ورقي، حملها الدَرّعاوي بيده ليراها الحضور، والناس الذين يتابعون ما يحدث من نوافذ منازلهم، وشرفاتها، وأسطحها، وأصّر على دفع الباقي خلال 10 أيام بكفالة وجود الجاهة، وجاء الان دور رؤساء الجاهة ليناوروا، ورد داود الزير، طالبا ان تشمل الوجوه الكفيلة، هاني الحايك، راميا الكرة في ملعب الدَرّعاوي، ولكن هذا الاقتراح لم يلق قبولا، وتم الاتفاق في النهاية على إكمال المبلغ خلال 15 يوما، رغم تأكيد الجميع ان المبلغ ما هو إلا جزءًا من الدية التي ستُدفع كاملة عند عقد راية الصلح.

تم الاتفاق على صك عطوة لمدة عام، منهيا بذلك ملفا أرق بيت لحم، مدة من الزمن، منذ مقتل الدكتور محمود سباتين، في بيت جالا يوم الاثنين الأسود، وما أعقبه مما سمي فورة دم من قبل عائلته، والتي شملت أحداث عنف امتدت من مدينة بيت جالا إلى بيت لحم. وأبرز محطاتها ما حدث في عمارة قرّاعة. كانت أمل عودة، في ذلك الوقت، تُراجع، مع شقيقتها طبيبا، عندما حُرقت محال في العمارة، ولم يكن أمامها سوى القفز، فلاقت حتفها بينما أُصيبت شقيقتها بجراح خطيرة، في حادث بدا عبثيا.

الاتفاق على العطوة لم ينه الكلام، وقبل ان يتحرك الناس، أمسك الأسير المحرر رزق صلاح الميكرفون، ليلقي كلمة أكد فيها باسم الحركة الأسيرة على جملة من البديهيات الوطنية.

ويبدو ان آخرين أيضا كان لديهم، ما يقولونه، مثل سمير قمصية مدير تلفزيون المهد، الذي أمسك الميكرفون، ليؤكد، عاتبا، بان وسائل إعلام كثيرة موجودة لتغطية العطوة، وليس فقط وسيلة الإعلام التي تمثلها الصحافية الأطرش، ما استتبع تنويها سريعا من الدَرّعاوي، أكد فيه احترامه لجميع وسائل الإعلام.

خروج الناس السريع، ربما أضاع الفرصة على عاتبين آخرين أو راغبين في الحديث. ولكن الحديث عن ما جرى في مساء بيت ساحور لم ينته، انتقل إلى المنازل وجلسات أخرى.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق