أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 27 مايو 2015

الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة الفائز بجائزة الشيخ زايد: يمكننا مواجهة الاحتلال


 

أجرت الحوار - رانيا رفاعى

عن جدارة، استحقت رواية "مجانين بيت لحم" للصحفي والروائي الفلسطيني أسامة العيسة جائزة الشيخ زايد للآداب لهذا العام، لتفتح نافذة على أعمال روائي مهم قدم عملا يتمتع بالحس الصحفي, أو صحفي مبدع رسّخ لفكرة "التحقيق الروائي".

ولعل مالا تخطئه عين عند مطالعة سيرة العيسة الذاتية هو أنه رجل وطني بالمعنى الحرفي للكلمة … فوطنه, وتحديدا بيت لحم مسقط رأسه, هما منبع كل أعماله الابداعية والأكاديمية فغالبية رواياته تحمل اسم بيت لحم مثل “مجانين بيت لحم" و " قبلة بيت لحم الأخيرة" … حتى إن أبحاثه في التراث والآثار كانت داخل حدود وطنه الذي يكفيه أن يعترف هو و مجموعة من الشرفاء بها.

والطريف في الأمر أن رواية عن مأساة الفلسطينيين في 2015 لم تأت أبدا في ثوب البكائيات الحزينة التي تدمع عيناك لها وأنت تقرأها … بل هي في اطار ساخر وهزلي مشبع بالتراث الشعبي لبيت لحم بكل تفاصيله الجميلة .. تخرج منه بنتيجة واحدة وهي أن المجانين أحيانا يكونون أكثر وطنية من القادة والحكام والرموز العقلاء الذين باعوا وفرطوا وانقسموا على أنفسهم. والرواية تحكي قصص شخصيات التقاها العيسة، داخل أو خارج أسوار مستشفى الأمراض العقلية المحاذي لـ«مخيم الدهيشة» في بيت لحم.

الأهرام أجرت الحوار التالي مع العيسة ، احتفاءً بانتصاره الأدبي:

*بداية حدثنا عن الشكل الروائي الذي تناولت به القضية الفلسطينية فى"مجانين بيت لحم"

-في هذا العمل حاولت تقديم المكان والانسان الفلسطينيين بطريقة جديدة تشمل السخرية وغيرها. وفي اعتقادي أنه من الصعب التعايش مع احتلال مستمر منذ عقود, ويبدو انه لا ينتهي، دون القليل أو الكثير من الجنون والسخرية.

*في روايتك، أكدت أن مجانين بيت لحم لم يكتفوا بممارسة جنونهم فقط وإنما ورّثوه لأجيال قادمة أتت من بعدهم .. متى يبرأ مجانين بيت لحم من جنونهم ؟! ومتى ينتهي هذا الميراث؟!

-في الحقيقة هذا سؤال صعب .. لكني انا شخصيا لا اريد لمجانين فلسطين ان يبرأوا، وان يضحوا عقلاء، لأنه بالجنون وحده يمكننا مواجهة الاحتلال والصمود في معركة تغيير معالم المكان واحتمال العيش في كانتونات صغيرة.

*كيف كان استقبال الفلسطينيين للرواية التي عبرت إلى حد كبير عن حياتهم و تاريخهم وواقعهم الأليم؟

-استقبال فوزي بالجائزة كان ايجابيا في فلسطين، رسميا وشعبيا، لكن الاستقبال الشعبي هو الأهم بالنسبة لي. وأعتقد ان كثيرا من الأوساط الشعبية فرحت بالجائزة، بغض النظر عما اذا كانت أدبية ام لا، لانهم ادركوا ان واحدا منهم فاز بها .. وهذا اسعدني.

*وهل هناك مساع لتقديم الرواية في عمل فني مصور؟

تحدثت معي جهتان، ولكن بشكل لا اعتبره رسميا، وانما أولي, عن تفكير بتحويل الرواية إلى مسلسل. اعتقد ان الامر يحتاج إلى وقت، وسأكون سعيدا اذا تحول عملي إلى عمل ابداعي آخر. لأنني سأجد من يشاركني في تحمل عبء المجانين، وربما يقدمهم بشكل افضل مني من خلال التليفزيون أو السينما.

*هل تعتقد أن الأدب الفلسطيني ومبدعيه مظلومون مثلما ظلمت قضيتهم؟

-لا احب ان يوضع الادب الفلسطيني في خانة مثل خانة الظلم، انا اؤمن بقدرة الابداع على الوصول، بدون اي واسطة، إلى الناس، حتى لو احتاج ذلك إلى وقت. اذكر مثلا كيف كنا في فلسطين فرحين بظاهرة "نجم-امام" حيث كانت تصلنا الاغاني والاشعار رغم المنع. والحقيقة هي أن الادب الفلسطيني تراجع, خصوصا بعد اتفاقيات اوسلو، هناك شيء ما انهار في السنوات الأخيرة. لكن هذا لا يمنع أني بدأت  ألاحظ تباشير عودة الادب الفلسطيني ليأخذ المكان الذي يستحقه على ساحة الابداع العربي.

*كثيرون فسروا الرواية بعد قراءتها الأولية على أنها رصد لمحاولات سرقة الذاكرة والهوية الفلسطينية من جانب الاحتلال، لكنك ربطت بين الماضي و الحاضر بشكل يجعلنا نفهم أنه لا يموت. أي الوجهتين كانت أقرب اليك و أنت تكتبها؟!

-صحيح هناك سرقة، ولكن ليس فقط من جانب الاحتلال، انا لدي مشكلة مع الاحتلالات والسلطات المتعددة التي توالت على حكم فلسطين، قرون من الاستعباد، تأتي قوى وتذهب، ولا تغير يطرأ على الانسان. انا عالجت في روايتي منطقة معينة في فلسطين، وتغيرها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، حتى وصلت في عهد السلطة الفلسطينية, التي لا تملك ارضا، إلى ما يشبه كانتونا أو سجنا صغيرا، أنا رمزت لتبدد الارض الفلسطينية، وحبس ناسها، وسرقة ذاكرتهم، وانا لا أستثني احدا من المسؤولية. وفي الرواية نقد للقوى السياسية الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، والانقسام غير المفهوم.

*هل تعتبر هؤلاء أيضا مجانين ؟

-لا.. هؤلاء الذين اجرموا بحق ارضنا وشعبنا ليسوا مجانين، هؤلاء هم العقلاء. المجانين هم من حافظوا على الذاكرة، والعقلاء هم المستعدون للبيع والتفريط، حتى لو لوح لهم العدو بوهم.

* تناولت في رواية" قبلة بيت لحم الأخيرة " رفضك لمفهوم الاسلام السياسي وتصدره للمشهد..لماذا لم تكن غزة هي مسرح أحداث الرواية؟

-في تلك الرواية يعود البطل إلى مدينته بيت لحم، بعد ٢٠ عاما قضاها في سجون الاحتلال، ليرصد التغيرات التي حدثت لمدينة ليبرالية مثل بيت لحم، فيجد كيف فصلها الاحتلال بأسوار عن توأمها القدس التي لا تبعد عنها سوى خمسة كيلومترات، ويرى ما حدث على الصعيد الاجتماعي، من تأسلم قطاعات واسعة في المدينة. وهذه الظاهرة في فلسطين ليست مقتصرة على غزة فقط، كان هناك امل ان تتطور فصائل الاسلام السياسي، خصوصا في ظل المواجهة مع الاحتلال، إلى افق اكثر ليبرالية، ولكن للأسف هذا لم يحدث. وهذا اساء لها وأضر بشعبنا وقضيتنا.

*ماذا عن مشروعك الأدبي القادم؟

-لدي عدة روايات مخطوطة، وانا اكتب بانتظام، كانت لدي خطة معينة للنشر، والآن بعد الجائزة فانني اشعر بثقل المسؤولية. احتاج إلى لملمة نفسي، خلال الاسابيع المقبلة، لأقرر ماذا سأقدم.


 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق