أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 15 مارس 2015

نفط وادي قانا المفقود..!!













الخليج عندهم نفط، ونحن لدينا وادي قانا".. قالت فداء عبد الرؤوف منصور، بحماسة، وهي تخرج من بيارة حمضيات في الوادي، حاملة الثمار البرتقالية الشهية.
تقطن منصور بجوار عين الفوّار، وهي إحدى عيون الماء التي تنتشر في وادي قانا، التابع لقرية دير استيا، وتروي مياه هذه العيون بيارات الحمضيات في الوادي، الذي يصر المزارعون فيه على الصمود رغم الظروف الصعبة.
لكن عندما تتحدث منصور عن وضع المزارعين في الوادي الخلاب بجماله، الواقع إلى الجنوب من مدينة نابلس والشمال الشرقي من مدينة سلفيت، يتبين ان "النفط" الذي تتحدث عنه يمكن وصفه بالمفقود، بسبب اجراءات الاحتلال واعتداءات المستوطنين.

الوادي البرتقالي
جهاد منصور (50) عاما، شقيق فداء، يعمل بجد في بيارة البرتقال بجانب عين الفوّار يقول بحماسة: "نزرع الحمضيات، مثلما فعل أجدادنا، لأن الأرض والمناخ هنا ملائمان، نحن على ارتفاع نحو 400 متر عن سطح البحر ونستفيد من مياه عين الفوّار في ري الحمضيات".
يتزين وادي قانا باللونين الأصفر الليموني، والبرتقالي لون البرتقال واليوسفي، وغيرها من حمضيات، يتولى زراعتها أفراد من عائلة منصور.
اياد منصور (22) عاما وهو دليل سياحي شاب تعتني عائلته ببيارات حمضيات في الوادي، الذي يمكن تسميته بالوادي البرتقالي لشيوع هذا اللون فيه، يقول: "قرية دير استيا، من قرى الكراسي، حسب التقسيم الاقطاعي في القرن التاسع عشر، وكان الوادي في معظمه مملوكا لعائلة أبو حجلة، الذين هم أولاد عمومة مع عائلة منصور، التي يعتني افرادها بأراضي الوادي الآن، قسم تم شراؤه، وآخر يزرع بنظام المزارعة، وقسم ثالث كان مملوكا لعائلة منصور".
ويضيف منصور: "الوادي كان دائم الجريان، والوضع الطبيعي ان تصب في نهر العوجا، ثم في البحر الأبيض المتوسط، لكن سحب الاحتلال للمياه، أثر على طبيعية الوادي، فقبل 13 عاما، كانت المياه تظل جارية في الوادي الذي كان تاريخيا يبدأ من زعترة وينتهي في نهر العوجا، لكن الآن الاسم يطلق على هذا القسم".
وعن دخول زراعة الحمضيات للوادي يقول منصور: "في عام 1948، لجأت إلى هذه النواحي عائلة أبو ملوح، وهي من عرب أبو كشك، الذين وجدوا الفلاحين في وادي قانا يزرعون القمح، والشعير، والبندورة، وغير ذلك، فأخبروهم بأنهم يزرعون في يافا مستفيدين من مياه نهر العوجا، البرتقال والحمضيات، ونصحوا فلاحي الوادي بتغيير زراعته إلى الحمضيات، الفلاحون قالوا للاجئين: لماذا لا تزرعون أنتم الوادي بالحمضيات؟ فأجابوا: نحن موجودون هنا بشكل مؤقت، وسنعود إلى بلادنا، لكن العودة لم تحدث، فزرع عرب أبو كشك الوادي بالبرتقال، وحذا مزارعو الوادي مثلهم، بعد أن تبين لهم بان ذلك يمكن أن يكون أفضل".
لكن، على الأرجح، فإن زراعة القمح والشعير والبندورة، استمرت في الوادي أيضا، وفي الجبال المحيطة به، حتى ان منتجات الوادي من البندورة، كانت تصدر إلى الكويت في ستينيات القرن الماضي، كما يؤكد جهاد منصور. ويشير إلى انه حتى ثمانينيات القرن الماضي، كانت اراضي الوادي تنتج 100 ألف طن قمح.
عاملان اثنان، على الأقل أديا إلى توقف زراعة القمح والشعير والبندورة، الأول هو اعلان قوات الاحتلال للجبال المحيطة بالوادي، مثل: الحريق، والمراح، والسريج، والعاروض، بأنها اراض اميرية، وبالتالي حظر استخدامها من قبل المزارعين، والثاني با يسميه الفلاحون هنا غزو الخنازير البرية المكثف للوادي، الذي يؤدي إلى تخريب الزراعة.
ويكثر الآن في الوادي، حيوان الوبر الصخري، وهو دخيل على بيئة الوادي، وكذلك الغزلان، إضافة إلى البط، والسلاحف المائية، وأنواع مختلفة من الطيور، والزواحف، وغيرها.
محمية طبيعية
يتهم مزارعو وادي قانا، سلطات الاحتلال، باتخاذ عدة سبل، لمصادرة الأراضي، وتهجيرهم منها. يقول خضر منصور (81) عاما: "الاجراءات التي اتخذها المحتلون بعد عام 1967، أدت إلى تهجير سكان وادي قانا، الذين كان عددهم يتراوح بين 400 - 500 نسمة، ليصبحوا الآن نحو 50 نسمة فقط".
منصور، كما يقول ولد في الوادي، ويعتبر هذا المكان روحه، وما زال يعتني بالأرض، وببيارات الحمضيات.
ويضيف منصور، الذي تعرض في احدى المرات إلى هجوم من مجموعة من المستوطنين: "بعد الاحتلال منعونا ان نبني أي غرفة أو منزل، وضيقوا علينا بشكل كبير".
إحدى الأساليب التي اتبعها الاحتلال، اعلان وادي قانا، منطقة عسكرية مغلقة عام 1979، لكن صمود المزارعين وتصديهم للقرار أفشله، فلجأت سلطات الاحتلال عام 1983، إلى إعلان الوادي محمية طبيعية.
التقى "حياة وسوق" في الوادي، أحد موظفي سلطة الطبيعة الاحتلالية، والمكلف بجمع النفايات من الوادي، الذي قال: الوادي محمية طبيعية منذ الانتداب البريطاني، والعهد الأردني.
لكن الحاج خضر منصور يقول: "في العهد الأردني لم تكن كل المنطقة محمية طبيعية، اقتصر الأمر على الجبال المحيطة بالوادي، لكن الاحتلال الإسرائيلي وسع المحمية، لتشمل الوادي، والأسباب احتلالية واستيطانية".
وبحجة ان المنطقة محمية طبيعية، فانه يتم اقتلاع أية اشجار يتم زراعتها في الوادي، كما حدث في شهر كانون الأول 2014، عندما اقتلع المستوطنون بحماية جنود الاحتلال نحو 1200 فسيلة زيتون، زرعت في الوادي.
تقول فداء منصور: "قبل عامين تبرعت لنا لجنة من السويد، ببناء حظيرة، لكن سلطات الاحتلال اقتلعتها والحجة ان الوادي محمية طبيعية".
وهناك خشية، ان تغلق سلطات الاحتلال، المنطقة، وتسيطر عليها بشكل محكم، بحجة انها محمية طبيعية، كما حدث بالنسبة لأماكن أخرى، مثل وادي القلط قرب أريحا.

معاناة من المستوطنين
في عام 1976، أقام المحتلون، مستوطنة "كارني شمرون" على احدى التلال المحيطة بالوادي، والآن يوجد نحو عشر مستوطنات وبؤر استيطانية تطل على الوادي وتحاصره من جميع الجهات منها: "الون شيلو، وعمانوئيل، وياكير، ونوفيم، وجنوت شمرون، ومعالي شمرون".
وقائمة معاناة المزارعين من المستوطنين، طويلة، يقول اياد منصور: "حتى عام 2005، كانت مياه الصرف الصحي الخاصة بالمستوطنين، تصب في الوادي، ويمكن تصور ما يمكن ان تفعله هذه المخلفات".
مع وضع أول مستوطنة، بدأت عملية سرقة مياه الوادي، بحفر آبار ارتوازية، الأمر الذي أثر على منسوب المياه في العيون بشكل كبير.
يقول الحاج خضر منصور: "أكثر من مرة تم اقتلاع السياج المحيط ببيارتي، التي أسستها منذ 25 عاما، وأكثر من مرة اقتلع المستوطنون أنابيب المياه، ومولدات الكهرباء التي تضخ المياه".
تقول فداء منصور، ان الصمود في الوادي، ليس سهلا، خصوصا في ظل عدم وجود مدارس ومراكز صحية وغيرها من خدمات.
وتضيف: "ارسال أولادنا إلى المدارس صباحا وجلبهم ظهرا، يستلزم دفع أجرة سيارة طلب، وإذا مرض أي واحد منا، يستلزم نقله خارج الوادي".
ويقول اياد منصور: "من أسباب مغادرة الناس للوادي، الاهتمام بالتعليم، فانتقل الكثير منهم إلى دير استيا".
وتطالب فداء الجهات المعنية، دعم المزارعين، بتوفير السماد، والأنابيب، والمولدات، والجرارات الزراعية، وغيرها من المستلزمات.
وتستخدم عائلة فداء وجهاد منصور، غرفا قديمة، لكنها تحتاج إلى ترميم، وعندما قاداني إلى داخلها، ظهرت أسقفها من الداخل عارية من القصارة.
ويطالب جهاد بتقديم المساعدة له لترميم هذه الغرف من الداخل، حتى لا تسقط، وعندها لن يتمكنوا من بنائها، بسبب المنع الاحتلالي، مشيرا الى ان ترميمها من الداخل هو الحل الآن.

استهداف القنوات
إلى الغرب من عين الفوّار، توجد إحدى العيون الجميلة في الوادي وهي عين البصّة، وبجهود المزارعين، تم سحب المياه، في قناة تم تبلطيها، لمسافة 500 متر، لتصب في بركة الجسر، لكن قوات الاحتلال، كما يقول رشيد عبد الفتاح رشيد من جينصافوط، دمرت القناة، ويمكن مشاهدة آثار التدمير.
يرعى رشيد الأغنام في المنطقة، ولديه ما يتحدث عنه من استهداف قوات الاحتلال له ولباقي الرعاة: "يلاحقونا، ويحتجزونا لعدة ساعات، ويمنعونا من الاقتراب من المستوطنات".
يروي الحاج خضر منصور بيارته من بركة الجسر وعيون أخرى، وبدا سعيدا وهو يحمل أنواعا مختلفة من ثمار البرتقال التي تنتجها بيارته، مثل البرتقال الشموطي، وأبو صرة، والفرنساوي.
وحسب منصور، فان الانتاج المحلي، يمكن ان يغطي السوق الفلسطينية، بل ويصدر منه إلى الأردن. وتساءل: "لماذا الحمضيات الإسرائيلية تغرق اسواقنا؟".
ورغم جدية الحاج خضر، ووفرة انتاجه، إلا ان المردود غير مناسب، كما يقول حفيده اياد: "حسبنا ما يصرف على الانتاج، فاكتشفنا، ان ما يتبقى للحاج، كربح لا يتجاوز ألف شيقل شهريا، وهذا أجر متدن جدا، ما يستلزم دعم المزارعين في وادي قانا".
ينشط اياد منصور في تشجيع السياحة المحلية، للوادي، ويقول: انه نجح بإثارة الاهتمام بالوادي، من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك، وفي عام 2013، تم تنظيم مهرجان (دير استيا زمان للتراث الأول) على عين البصّة، واتى مشاركون من رام الله، والخليل، ونابلس. يقول منصور: "نظمنا المهرجان في فترة عيد الفصح اليهودي، حيث يأتي للوادي ما لا يقل عن 3000 مستوطن، وادى نشاطنا إلى التقليل من الوجود الاستيطاني في الوادي".
ويؤكد منصور أهمية الاستمرار بحملات التعريف بالوادي وتشجيع المجموعات للقدوم إلى الوادي، ودعم المزارعين فيه.
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=7&id=257347&cid=3592

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق