أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 11 فبراير 2015

محتسب القدس في القرن السادس عشر ثري ومزواج ومن علية القوم




عظّم الدكتور خضر سلامة، من شان وظيفة المحتسب في القدس، خلال القرن السادس عشر، وذلك في بحث له عن (الاحتساب في القدس في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي) اطلع عليه مراسلنا.

يقول سلامة، الذي تولى ادارة مكتبة المسجد الاقصى والمتحف الاسلامي، قبل تقاعده، إن عمل المحتسب تمثل: «في الاشراف على الاسواق، ومراقبة مكاييل الباعة واوزانهم، ومنع الغش او زيادة السعر او تطفيف المكيال او تسعير البضائع ومراقبة تقيد التجار بها».

ويضيف: «يبدو ان وظيفة المحتسب التي تمثلت في العصور الاسلامية في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد نالها الكثير من التغيير في القرن السادس عشر الميلادي، فجميع الشروط التي اوردتها المصادر القديمة والحديثة والواجب توفرها في المحتسب، لم يكن لها دور في تعيين محتسب القدس، كما لم يكن اية معرفة ولو بسيطة لمحتسب المدينة باحكام القضاء والاجتهاد، فقد تحول المحتسب الى جابي للمكوس والضرائب للدولة ولجيبه الخاص».

كان المحتسب يحصل على وظيفته بطريق الالتزام ويعرف باسم بدل مقاطعة، اي يحصل على الوظيفة من يدفع اكثر، ومدخول ضمان الحسبة يعود لخزينة الدولة. يلاحظ خضر: «طيلة القرن السادس عشر لم يتول الاحتساب اي من العلماء او رجال الدين، فقد استولى على الوظيفة افراد من اصحاب المهن الحرفية الذين تحولوا الى اثرياء».

ويؤكد: «ان الالتزام اصبح النمط السائد لتولي هذه الوظيفة، في حين انه في الفترات السابقة كان وضعا شاذا يتم تصحيحه على الاغلب، فقد تحول مفهوم الحسبة الى وظيفة تجارية».

في هذا البحث الجاد والممتع يمكن ان نتعرف على بعض البضائع في القدس في القرن السادس عشر، ففيما يتعلق بالحلويات، نجد اسماء مثل: الحلاوة الجوزية، والشامية، والدهنية، والمنقوشة، والمعجنات، والكنافة.

وبالنسبة للخبز، انتجت افران القدس في تلك الفترة، الكعك، والخبز الطابوني، والخبز الطابوني الطيب، والخبز الماوي الطيب، والخبز الماوي الطيب المقطع، والكماج الطيب.

كان المحتسب ومعاونه يراقبان الاسعار في اسواق القدس، ويتم القبض على المخالفين ويقدمون للمحكمة، التي تحتفظ بالوزنات وتقارن وزنات التجار بها.

يذكر سلامة: «كان يتم التلاعب بمقدار الوزن عن طريق كسر جزء من حجر الوزنة الموجود لدى التاجر من قبل اصحاب النفوس الضعيفة».

ولم يكن يخلو الامر، من الشكوى على المحتسب، يذكر سلامة: «سجلت في المحكمة الشرعية شكوى من قبل طائفة اليهود ضد المحتسب، ومضمونها ان المحتسب يمنع اليهود من الذبح حسب عادتهم بالرغم من وجود تمسكات سلطانية بايديهم تشهد لهم بذلك، واحضر المحتسب الى مجلس الشرع ومنعه الحاكم الشرعي من التعدي عليهم.

يتوقف سلامة، عند اول محتسب ورد ذكره السجلات وهو تاج الدين بن احمد السكري (26-4-1529م)، وقبل ان يصبح محتسبا، كان جزارا، ولم يقتصر عمله على الحسبة، ومن خلال تتبع سلامة لسيرته من خلال الوثائق، تظهر نشاطاته الاقتصادية الاخرى، واهمية منصب المحتسب في مجتمع القدس، في النصف الاول من القرن السادس عشر، حيث صُنف ضمن الرتب العليا في المجتمع مثل قائد السنجق، والقاضي، وقائد القلعة (الدزدار)، ورئيس الشرطة (الصوباشي).

يذكر سلامة: «توجه السكري نحو محاكاة اصحاب الرتب العالية في المدينة، فنجده يتوجه الى حياة الترف في المدينة، ففي سنة 1530م دفع صداق لاصيلة ابنة علاء الدين بن فتح الدين الصائغ للفضة في المدينة مبلغا كبيرا جدا، وبلغ 17500 قطعة حلبية، وبعد سنوات يتزوج ست القضاة ابنة القاضي عز الدين الديري الحنفي».

ويضيف سلامة: «نجد ان زوجته اصيلة كان لها نشاط تجاري، فقد باعت حملين من الصابون بمبلغ 5500 عثماني، كما اشترت من زوجها تاج الدين السكري جارية مسلمة بيضاء بمبلغ 5000 عثماني، وعوضته بجارية بيضاء مسلمة اسمها فايدة ثمنها 1600 عثمانية، وايضا عبد اسود بمبلغ 2000 عثماني».

ويستنتج سلامة: «ان الوظيفة الرئيسة للمحتسب في القدس، كانت ادارة اقتصاد المدينة ومراقبة الاسعار والاوزان للمواد الاساسية للسكان مثل الخبز, للتاكد من مناسبتها للمتطلبات الرسمية ونوعية الطحين ومراقبة اعمال اعضاء طائفة الطحانين والخبازين، ونتيجة للدخل الذي كانت تحققه هذه الوظيفة وتوابعها، فقد اصبح المحتسب من علية القوم في المدينة، وتوجه الى مصاهرة هذه الطبقة وتقليدهم في امتلاك الجواري والعبيد».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق