أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 16 يناير 2015

تبا لك يا عيسة/عميد شحادة


 

تهمة لا اريد نفيها ولكن...

كاتبة فلسطينية شابة من فلسطين الحقيقية، يبدو أنها قرأت مقالا كنت قد كتبته عن رواية "مجانين بيت لحم" لأسامة العيسة، أو أنها شاهدت صورتي التي دمجها العيسة مع صورة روايته، قبل أن ينشر المقال، فتداخلت الأمور في ذهنها، وأرسلت لي صباح اليوم دهشتها الكبيرة "ربي.. مجانين بيت لحم لك!.. سمعت عنها الكثير، لقد فاجأتني.. ورب الفرص السعيدة وغير المتوقعة هذه".

لم أنفِ التهمة مباشرة بعد أن قرأت الرسالة، ولماذا التسرع في نفيها ما دامت أول تهمة جميلة أواجهها في حياتي! هذه أول مرة أذوق رد فعل حلو على فهم خاطئ.

في بلادي، قد يكلفك فهم الآخرين الخاطئ لما تقوم به، حياتك، أو في أهون الأحوال قد تعيش زحفا من دون قدمين.

أذكر في جنازة الشهيد حمزة أبو الهيجاء، مشيت بين المسلحين، أهش الطلقات الفارغة التي فشخت رأسي بيد، وباليد الأخرى أحمل دفترا أُسجل فيه ملاحظات قد تفيدني فيما بعد..

عكس كل الصحفيين والمشيعين الذين يوثقون اطلاق النار في الهواء بكاميرات هواتفهم، كنت وحدي أحمل دفترا وقلما، وفجأة تنطح لي شاب مفتول العضلات، شدني من قبة قميصي، ورغم أن المسافة بين وجهه ووجهي لم تزد عن "شِبر وفتر" بيد أنه تعمد الصراخ بصوت هدار "شو بتسجل؟ هااااات الدفتر"، وبلحظة طوقتني الجنازة، ووقعت في فخ نباهته، أنا الجاسوس الكبير.

في الحقيقة لم أعطه الدفتر، ليس لأن عضلاتي أثخن من عضلاته، فأنا نحيف كما تعلمون، بل لأن الدفتر لم يكن بيدي، صحيح هو قال "هات الدفتر" لكنه لم ينتظر كرمي "شلفه شلفا" وبنفس السرعة التي شلفه بها تصفحه، فيما أنا أرفع بطاقتي الصحفية عاليا، دون أن أرفع عيني عن المسلحين، خشية أن يتهوروا.

ناولني الدفتر بعد مشادة كلامية من طرف واحد، طرفه، وشتم الصحفيين ومضى، لحقت به ومسكته من كتفه "لو سمحت، سؤال صحفي لو سمحت: لماذا اعتقدت أن الجواسيس يسجلون أسماء المقاومين على الدفاتر؟ ولم تشكك مثلا بكاميرات الهواتف التي تسجل الملامح؟".

أكملت السير في الجنازة، وعندما وصلنا الى المحطة الأخيرة في مقبرة الشهداء، جلست أرضا قرب قبر الشهيد زياد العامر (وهو الذي قتل أول جندي اسرائيلي في معركة مخيم جنين، وكان أيضا أول شهيد يسقط في تلك المعركة) وأكملت تسجيل ملاحظاتي التي لن تصلح فيما بعد لأي قالب صحافي على مقاس بلادنا، كتبت "لا أدري لماذا شكك بالدفتر، ربما لو أستخدمت الهاتف مثل كل الناس لما تعرضت لأذى، ربما قرر معاقبتي لأنني لم أُصور وبالتالي لم أحقق الهدف الذي أراده مطلقو النار في الجنازة، ما رأيك يا زياد! ما رأيك بنباهة الذين يفتشون عن الجواسيس أثناء الجنازة فقط، لا قبل أن تصير جنازة أو بعدها! العامر لا يجيب".

وتريدونني أن أقول لها "لا، الرواية للعيسة" قبل أن أعيش شعورا لذيذا يحلق بي عاليا بتهمة جميلة! تهمة ينمو بعدها ريش الحرام في جناحي ويكتمل قبل أوانه، وأنا عصفور لم تفقس البيضة عنه بعد في الأدب!

تبا لك يا عيسة، تنط لي في رسائلي مثل عفريت، لكنني وقد عشت يوما كان عدم الرد فيه على الرسالة صمتا كاذبا جميلا، قررت أن أقول الحقيقة "لا يا عزيزتي، الرواية ليست لي، إنها عني، وأنا صاحب صاحبها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق