أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

من طرابلس إلى الدهيشة/سليم اللوزي


 

حين صرخ يوسف علّان “سَطَحار” وهو طائرا، أغلقت مئتين وخمس وأربعين صفحة على العشرات من المجانين، كأنني كنت أريد أن أبقيهم بين هذه الصفحات، خوفا من أن يخرجوا منها، أن أحبسهم داخل هذا الدير/الكتاب، لا أريد لهم ان يخرجوا من عالمهم العاقل، إلى عالمنا المجنون.

 أغلقت الكتاب، وضحكت بصوت عالٍ، ما هذا الجنون؟ لقد استطعت انا الاعب المجانين في دير المجانين دون ان أتعرض للوثة الجنون. ولكن مهلا، على امتداد الشخصيات الكثيرة، كنت أجد شيئا مشتركا بيني وبينهم، أقلّه شيءٌ واحد، ترى لو جمعت هذه الأشياء، فهل يرسلونني إلى “الدهيشة”؟

لم يدرك كاتب “مجانين بيت لحم” أسامة العيسة أنه هو أيضا سجّان هؤلاء المجانين، فهو ببراعته ورشاقة قلمه استطاع أن يجمعهم هنا، بين هذه الأوراق، تماما كما جمعهم الاحتلال والقيمون على الدير بين جدرانه، وسمح هو أيضا لبعضهم أن يتسلل خارج الصفحات، فالمجنون “يوسف علّان” كان يحلّق دائما في المكان الذي اقرأ فيه هذه الرواية، أستطيع أن أشمّ رائحة ثيابه الرثّة وأن أراه في انعكاس المرايا. إلا أنه كان صارما حين أحكم قبضته على شخصياته، ولم يفلت أيا منها.

هذا الكتاب، الذي لن أسميه رواية، الصادر عن دار “نوفل“، يضعنا جميعا، نحن العرب تحديدا في قالب يسمّيه “دير مجانين”، ويبدأ بتعريتنا شخصيةً شخصية، يذكر طباعنا، وتصرفاتنا، وهمومنا، يدمجها مع شخصياته، ويعالج القضية الفلسطينية ورموزها السياسية معنا، في نفس الخندق، خندق المجانين، نحن أبناء هذا الشرق المجنون!

لقد استوقفتني جملة كتبت على الغلاف الخلفي للرواية، والتي أتت ضمن نص التعريف عن الرواية، أنها “تقدّم الفلسطينيين كما هم، بشرا، من دون نبرة خطابية ولا مناجاة غنائية”، هذا ما غيّب عنّا حين نتناول القضية الفلسطينية والفلسطينيين منذ النكبة حتى اليوم، واستطاع الكاتب ان يقدّمه حين بنى واقع شخصياته المجنونة، وأن يدفعنا إلى الجنون حين نسمع صوت العصافير !

لا أستطيع أن أقول أن هذا الكتاب رواية، كلا كلا، هو نوع جديد من الأدب، يقدم شخصيات متراصة متسلسلة في أجداث متداخلة، تدفعك بشكل قوي إلى التعاطف معها والاستمرار في التعرّف على شخصياتها الجديدة، فتمرّ من أعلى الجبل إلى القرى المحاذية، وترافق المجانين في عنابرهم وفي قراهم وفي طرقاتهم.

ختاما، سأسأل نفسي، تماما كما فعل الكاتب، ما الذي بقي مما يربطني بعالم العقلاء المجنون هذا؟

يا عُجيل، أدركنا ..
https://booksalimallawzi.wordpress.com/2014/11/26/11441/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق