أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

حمّام ستنا مريم شاهد على تاريخ القدس الاجتماعي والسياسي


يقف جنود الاحتلال متأهبين، خلف حواجز وضعوها داخل باب الأسباط للتدقيق في بطاقات هويات المصلين الداخلين إلى المسجد الأقصى، وأمامهم، سبيل ستنا مريم، على الواجهة الشمالية للحمّام الذي يحمل نفس الاسم، والمغلق منذ عقود، وهو أحد المعالم المهمة في التاريخ الاجتماعي والديني للمدينة المقدسة.

يقع الحمّام، الذي نُسجت حوله ميثولوجيا محلية، تتعلق باستحمام السيدة مرّيم العذراء فيه، بالقرب من كنيسة القديسة حنه، والدة العذراء. في بداية درب الآلام.

اشتهر الحمّام بانه من أنظف حمّامات القدس العامة، واكتسب شهرة، لارتباطه بعدة أساطير، فالنساء اللواتي لم ينجبن، مثلا، كن يأتين إليه كي يحبلن، بعد ان يستحممن، مثلما فعلت السيدة العذراء، وينذرن للحمّام شموعا، وزيتا، وورودا، وعطورا، واشياء أخرى.

ووفقا لمؤرخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي، فان بلقيس، ملكة اليمن الاسطورية، استحمت في هذا الحمّام، وأزالت شعرها الكثيف عن رجليها وفخذيها، الذي ورثته عن أُمها، من أجل الملك سليمان. الذي قيل له، بأنّه لا يعيب هذه الملكة اليمنية، إِلَّا ان رجليها كحافر الحمار، ومشعرة الساقين، وعندما سأل الانس كيف يمكن إزالة هذا الشعر، قالوا: الحل بالموسى، فرفض لأنّها تجرح، فسأل الجن، فقالوا: لا نعرف، فتوجه للشياطين وسألهم، فقالوا: لدينا حيلة تجعلها كسبيكة الفضة، ولجأوا إلى النورة، وهي حجر الكلس.

وربما بسبب هذه الاسطورة، اعتبر هذا الحمّام، بأنّه أوّل حمّام يُبنى على وجه الأرضّ، من أجل بلقيس، التي تزوجها الملك سليمان، بعد إزالة شعرها، طبعا، وأحبها حبًا عظيمًا.

عمل الحمّام، قبل اغلاقه، مثل باقي حمّامات بلدة القدس القديمة، كحمامي العين والشفاء في سوق القطانين، وحمّام البطرك، على فترتين للنساء والرجال. ولعب دورا في الحياة الاجتماعية لأهالي القدس، فالحمّام كان ملتقى للناس، وفيه يتم تناول القهوة والمشروبات الباردة، ويتداول فيه الرجال أحاديث السياسة، وأخبار الناس المختلفة، وتختار الأمهات، الزوجات المستقبليات لابنائهن. بعد تفحصهن من قريب.

كانت المياه الذي تزود هذا الحمّام، تاتي من قناة السبيل، التي تحمل المياه عبر قنوات، من جنوب بيت لحم، وتغذيه بالاضافة لسبيل ستنا مريم، وهو أحد الأسبلة التي بناها السلطان سليمان القانوني، وما زال النقش الذي يؤرخ لبانيه ويعدد ألقابه موجودا بالحرف النافر على السبيل، والذي تم إبرازه باللون الأسود، من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية عام 1985م.

ويوجد فوق النقش بلاطة كُتب عليها "سلام على روح النبي المطهر أصابعه أجرت مياهها ككوثر".

في هذه الايام التي تنتفض فيها القدس، يمكن تذكر ان الحمام والسبيل، كانا شاهدين على بعض يوميات القدس، في انتفاضة الأقصى، وأمامهما استشهد: عمار سمير المشني، بتاريخ 8-12-2000، ومجدي سمير المسلماني الذي استشهد بتاريخ 6-10-2000، وكان من أوائل الذين استشهدوا في بداية تلك الانتفاضة.

وما فعله مجدي (15 عاما)، ورفاقه في ذلك اليوم، الذي أطلق عليه الفلسطينيون يوم الغضب، كان حدثا بارزا في حينه، فبعد أسبوع من زيارة ارئيل شارون، للحرم القدسي، ذهب مجدي وأصدقاؤه مبكرا إلى الحرم، وتحصنوا في باب الأسباط بعد مواجهات عنيفة بين الشبان وجنود وشرطة الاحتلال، وحقق الشبان نصرا لا مثيل له، حرقوا مركز شرطة الاحتلال في باب الأسباط، ورفعوا الأعلام الفلسطينية على أسوار الحرم وعلى قبة الصخرة.

وحظيت تلك المعركة بتغطية صحفية كبيرة، بعد أن علق العديد من الصحفيين بين (الجبهتين): الفلسطينية والإسرائيلية، ومثلا أفردت مجلة النيوزويك الأميركية (26/10/2000) صفحتين للمعركة وسقط المسلماني برصاص الاحتلال ومعه عشرات الجرحى في الحرم، وتسعة آخرون من الشهداء في باقي المناطق الفلسطينية في يوم الغضب ذاك، فيما أعلن قائد شرطة الاحتلال بالقدس إصابة 24 من أفراد قوته.

والان يمكن رؤية بلاطة كُتب عليها اسم الشهيد مجدي وتاريخ استشهاده، قبالة سبيل ستنا مريم، الراسخ في مكانه كشاهد على أحداث كثيرة مرت على القدس.

 

هناك تعليقان (2):