أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

خالد يدافع عن فردوسه المفقود في اللُبّن الشرقية










يواصل خالد سميح حامد دراغمة (47) صموده في خان اللُبّن، في بداية الطريق المعروف باسم طلعة اللُبّن، في مواجهة محاولات المستوطنين وسلطات الاحتلال، الاستيلاء عل الخان التاريخي، وعين الماء داخله.

فنادق ومحطات وقود

يعتبر خان اللُبّن، الواقع في قرية اللُبّن الشرقية، التي تبعد نحو 22 كم جنوب نابلس، واحدا من الخانات الهامة على الطريق المعروفة، بطريق ظهر الجبل، التي تصل جنين، بالخليل، مرورا بنابلس، والقدس، وبيت لحم.

يقول الباحث شكري عرّاف في كتاب له عن الخانات صدر مؤخرا عن مركز رواق: "الخانات في الشرق عامة، وفي فلسطين خاصة عبارة عن فنادق ومحطات استراحة وتزود بالوقود، وقود الطريق من ماء وأكل وعلف للدواب التي تتألف منها القافلة، تماما كمحطات الوقود اليوم بالنسبة لوسائط النقل الحديثة".

ويضيف: "أُقيمت الخانات على طول الطرق التجارية و/أوّ العسكرية الأمنية التي عرفت أحيانا بطريق البريد، وفلسطين جسر بين إفريقيا وأسيا، عليها مرت جيوش حضارتي النيل وما بين النهرين، كما مرت قوافل التجار من شمال افريقيا حتى الصين، حاملة البضائع الجافة والمطبوخة منها، إلى جانب الملح والحبوب والعطور".

تاريخ حافل

من غير المعروف، تاريخ بناء خان اللُبّن بدقة، ولكن يمكن ان نستشف من الطراز المعماري للبناء، انه شيد خلال العصر المملوكي أوّ أوائل الفترة العثمانية. أجزاء كبيرة من جانبي الخان الغربي والشمالي، أُعيد بنائها في الفترة العثمانية المتأخرة كما يتبين من حجم ونمط الحجارة.

تخطيط خان اللُبّن، تربيعي الشكل، طول كل جانب من جوانبه نحو 23 مترا، هيكل المبنى الأصلي العام لا يزال سليما، على جانبي المدخل الاسطبلات، ثم فناء، وغرف من الجهتين الشرقية والغربية، استخدمت في الوظائف الادارية لخدمة نزلاء الخان، وفي الشمال تقع غرف النزلاء والخدم.

بالإضافة، لاختيار موقع الخان، لربطه بين مدن فلسطينية رئيسة، الا ان وجود عين ماء عذبة، ساعد، على هذا الاختيار.

كان الخان، محطة للمسافرين، يرتاحون بها، خلال العصرين المملوكي والعثماني، على طريق القوافل القدس- دمشق. الخان يبعد 45 كيلومترا إلى الشمال من القدس، وكان المحطة الأخيرة للمسافرين، استعدادا للرحلة النهائية إلى القدس، قبل الوقت الصعب الذي سيواجهونه في طلعة اللُبّن، والمرور من منطقة وادي الحرامية، التي كان قطاع الطرق يجوبونها.

خلال فترة الانتداب البريطاني، استفادت السلطات، من موقع الخان الاستراتيجي واستخدمته مركزا للشرطة. واستخدم الاردنيون المكان لنفس الغرض بعد النكبة.

يذكر عرّاف، بانه تم اقامة مصنع للطوب في الخان، وعلى الأرجح ان ذلك، تم بعد توقف العمل به كخان.

ما ذكره الرحالة

وصف الخان الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (ت 1648) في مؤلفه (سياحتنامه) مشيرا إلى انه واسع، ولا سكان حوله.

وذكر الخان، الصوفي المعروف الشيخ عبد الغني النابلسي عام 1693، الذي مرّ به في طريقه إلى القدس، مشيرا إلى وجود بركة ماء بجانبه.

في ربيع عام 1697، وصل الخان هنري مندريل ((1665-1701 وهو أكاديمي في جامعة أكسفورد، وأصبح رجل دين خدم  عام  1695 كقسيس في شركة المشرق العربي في سوريا. 

نام مندريل في الخان، في طريقه إلى القدس، وخلال عودته منها، وعلى عادة المتأثرين بالكتاب المقدس، حدد المكان، بانه لبونا المذكورة في العهد القديم  (قضاة 21 : 19).

يذكر الفنان والرحالة الشهير، إدوارد روبنسون، انه، في عام 1834 رأى اطلال خان في الموقع، ونافورة رائعة من المياه الجارية.

في عام 1882م، يصف الرحالة وعالم الآثار الفرنسي دي سايلسي فليسيان لويس دي ((1807-1880، خانا دمر، وتحته عين ماء جميلة.

يذكر اسكندر جبرائيل كزما، مدير دار المعلمين الروسية في الناصرة التي استقطبت طلابا من سوريا ولبنان أيضا، والمسؤول شبكة المدارس الروسية في الجليل، ان المشاركين في رحلة من الناصرة إلى القدس انطلقت بتاريخ 28 اب 1897، قضوا ليلة الجمعة 29 اب في خان اللُبّن ودفعوا "اجرة مبات".

الباحث حنا ابو حنا، نشر اجزاءً من مفكرة كزما في كتابه (طلائع النهضة في فلسطين-خريجو المدارس الروسية 1862-1914م). والاشارة إلى المبيت في خان اللُبّن مهمة، لأنها تؤكد بانه استمر في عمله حتى اواخر القرن التاسع عشر على الأقل.

ملحمة صمود

يسكن في الخان الان، خالد دراغمة وعائلته، الذي يملك ما يثبت ملكيته للمبنى، ولكن وجوده هنا لم يمر بسهولة، حيث تعرض لسلسلة من الاعتداءات لا تحصى، وتراوحت بين الاقتحام في النهار والليل من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال، والاعتداء بالضرب عليه وعلى ابنائه وزوجته، وتدمير الأبواب، والمزروعات، وحتى السجن، حيث سجن نحو 6 مرات.

المستوطنون، يريدون طرد خالد وعائلته من الخان، للسيطرة عليه، وتأمين تواصل بين ثلاث مستوطنات في المنطقة هي: شيلو، وعيليه، ومعاليه ليفونا ، وكذلك تأمين التواصل بين المستوطنات داخل الخط الأخضر، وحتى الأغوار.

لا يبدي خالد حماسا للحديث عن ما يتعرض له، أوّ عن ملحمة صموده في الموقع، قائلا: "أنا اقطن في منزلي هنا، وهذا هو الامر الطبيعي"، ولكنه يشعر بالألم لما يصفه بالتقصير تجاهه من الجهات الرسمية.

يقول خالد: "أنا رجل ضعيف البنية، قد اسجن في أي وقت، ولست من أصحاب العقول المفكرة الكبيرة، ولكنني أملك الإرادة، من يملك الإرادة يصمد ويحقق انجازات".

ويوجه خالد اللوم، لأناس في قريته، ويدعوهم للعودة إلى المكان، والاهتمام بالأرض والمزروعات.

في عام 2007م، تمكن المستوطنون من احتلال الخان، ومكثوا فيه عدة شهور، واحدثوا تغييرا فيه، ورفعوا العلم الإسرائيلي، ولكن خالدا استطاع بإرادته ومقاومته، طردهم، بعد ان كسب قضية ضدهم في المحكمة العليا الإسرائيلية، لأنه يملك وثائق الطابو التي تثبت ملكيته للأرض، ولكن جيش الاحتلال لم ينفذ قرار المحكمة، فنفذه خالد، الذي لم ينسى المستوطنون موقفه، فاستمروا في الاعتداء والتحريض عليه.

أحاط خالد، الخان بسياج، وركب كاميرات مراقبة، وهو يعيش حالة ترقب على مدار الساعة من أي هجوم مرتقب. مثلما يحدث دائما، حيث يحضر المستوطنون في الليل والنهار مسلحين بالبنادق والأسلحة البيضاء ويهجمون على عائلة خالد لإخراجه من الخان.

المستوطنون يهددون

يسمي المستوطنون، الخان، : خان ميخا، أوّ خان عوز، ولكن التسمية الأشهر خان لبونا. ويحرضون على خالد في مواقعهم الالكترونية، ويصفونه بالدخيل، الذي يلاحق من يود زيارة الخان منهم بالفأس. وبانه سرق هذا الموقع التاريخي الذي يجب ان يظل مفتوحا للجمهور. وأدخل تعديلات على الأرض، من بناء، وزراعة، وتشييد مدرجان زراعية".

وشكى المستوطنون، بانهم لجأوا إلى وزارة الحرب الإسرائيلية، والادارة المدنية، مطالبين باتخاذ خطوات ضد "الدخيل" و"الغزاة"، ولكنهما لم يفعلا شيئا. فتوجه المستوطنون، إلى المحكمة العليا، ويعتبرون ان النشطاء الأجانب هم "الاكثر وقاحة" في الموضوع، لانهم يساعدون "الدخيل" في قلب الحقائق، ولم يسلم الاتحاد الأوروبي من هجوم المستوطنين، لانه، كما يقولون ساهم في صيانة المكان.

يقول خالد دراغمة، انه ينتظر الاسوأ من المستوطنين، وجيش الاحتلال، وسيقاومهم وحيدا، ولن يغادر مهما كان الثمن. وسيواصل الدفاع عن جنته الصغيرة، وسيبنى فردوسه الخاص هنا.

وبينما كنت أودع خالد على مدخل الخان، توقفت سيارتين للمستوطنين، وسألوا وهم يحملون دليلا للسفر بالعبرية، مفتوحا على صفحة للخان، عن موقعه، فنهرهم خالد، واجبرهم على المغادرة.

الشاب واجد النوباني، الذي يقلقه ما يعصف بواقع قريته يردد اهزوجة عن الخان:

يل بدكم منا الخان واحجارو

 وبتيجو تصلو ببابه واسوارو

 توراه رتلتو محرفه اسفارو

 تاريخك أسطورة يا ابن صهيونا

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق