أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 6 يوليو 2014

(المعدود) نظام بتير المائي وأمنها القومي..!!









في عام 1948، قسمت النكبة، قرية بتير، جنوب القدس، إلى قسمين، ولم تتوقف معاناة القرية حتى الآن، مع "الجغرافية السياسية"، حسب تعبير بيان اليونسكو، حول ادراجها على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، للتراث العالمي والتراث العالمي المعرض للخطر.

الخطر ما زال محدقا بالقرية المقسمة، التي كان يربطها بالقدس محطة القطار الذي يصل يافا بالمدينة المقدسة، وبعد النكبة، عزلت عن القدس، وتواجه الآن، خطر بناء أجزاء من الجدار العازل، الذي سيعزلها عن نفسها وعن محيطها.

قد يكون خطر الجدار، أحد أسباب ابتهاج أهالي القرية، بإدراجها على قائمة اليونسكو، على أمل أن يحول ذلك دون تنفيذه، فالقرار يضع القرية الخلابة، على أجندة اهتمامات جماعية وفردية، تستحقه، في أكثر من مكان في العالم.

وبالنسبة لأحمد أبو حارثية، فان القرار يشكل صفعة لجامعة حيفا الإسرائيلية التي كما يقول: سرقت النظام المائي في قريته، ونسبته للتراث اليهودي.

ونوهت اليونسكو، في بيانها عقب قرار إدراج بتير، على قائمة التراث العالمي في الدورة الثامنة والثلاثين للجنة التراث العالمي التي عقدت في الدوحة بقطر من 15 إلى 25 حزيران الجاري، إلى اهمية النظام المائي في القرية المصنفة وفقا لاتفاقية أوسلو ضمن مناطق (ج) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.

ويتذكر أبو حارثية الذي خدم كطيار في المقاومة قبل عودته إلى قريته التي يعتبرها جنته: "حضر إلى القرية بروفيسور من جامعة حيفا وأخذ يشرح لطلبته كيف يعمل النظام المائي في بتير، باعتباره جزءا من التراث اليهودي".

وأجرى الإسرائيليون، حفريات أثرية عديدة في بتير، التي يقدمونها باعتبارها شهدت آخر معارك (باركوخبا) الثائر اليهودي ضد الرومان، ونقبوا قبل سنوات في (خربة اليهود) في القرية، وسط حراسة مشددة، ولأسباب لا تخلو من غايات استيطانية.

وتشتهر بتير بعينها القديمة، وبالقنوات الرومانية التي تنقل المياه إلى بركة قديمة، أجزاء منها محمولة على قوس حجري، وتصب فيها على شكل شلال، وفيها يتم العمل بالنظام المائي المسمى (المعدود).

ويعتقد علماء الآثار، ان نظام (المعدود) طوره سكان القرية منذ قرون، وما زال معمولا به حتى الآن رغم تبدل الحضارات والامبراطوريات وتعاقب الاحتلالات وآخرها الاحتلال الاسرائيلي الذي احتل جزءا من القرية عام 1948، واحتلها بشكل كامل خلال حرب حزيران 1967. وعانت طوال تلك السنوات باعتبارها إحدى القرى الحدودية.

ويؤكد أبو حارثية، ان نظام المعدود، يستطيع قياس كمية المياه بدقة، وتوزيعها بالعدل، وهو ما يجعل الجميع في القرية يشعرون بالمساواة، وعدم الغبن، ويحفظون حق كل منهم في المياه، حتى لو تغيب عن دوره.

وصمم هذا النظام ليخدم حمائل القرية الثماني وهي: البطمة، والمشني، وعوينة، والزغير، والبطحة، وأبو نعمة، ومعمر، وعبيد الله. ولكل عائلة حق الانتفاع بمياه عين البلد في يوم محدد، فمثلا لو كان لهذه العائلة المفترضة حق الانتفاع بالمياه في يوم الخميس، ففي المرة المقبلة يكون دورها يوم الجمعة، وهكذا، ويتم العمل في هذا النظام منذ المساء، حيث يتم إغلاق البركة، وفي الصباح عندما يأتون، يقيسون كمية المياه بوضع مقياس يطلق عليه اسم (سكرون) وهو عبارة عن عصا عليها علامات بارزة، توضع على بلاطة موجودة في منتصف البركة تماما، ويتم قياس كمية المياه المتجمعة في البركة، بواسطة العلامات، لتقسيم هذه الكمية على عدد المزارعين في الحمولة التي عليها الدور في المعدود، وكل مزارع في الحمولة له حصة تتناسب مع مساحة الأرض التي يزرعها.

وهناك تقسيم للمعدود بين أفراد الحمولة، فإذا أخذ الفلاح دوره صباحا مثلا في هذه المرة، ففي المرة المقبلة يكون معدوده في المساء لتحقيق أكبر قدر من العدالة.

ويلتزم فلاحو بتير بنظام المعدود، وكأنه القانون الناظم للعلاقات في القرية، التي لم يسجل فيها أي اعتداءات أو مشاكل بين الأهالي على المياه. ويعتقد ان نظام المعدود حفظ للسكان أيضا أمنهم "القومي".

ويختلف نظام تقسيم المياه في بتير، الذي يعتبره بعض أهالي القرية، أقدم نظام من نوعه في فلسطين، عن أنظمة قياس الماء وبيعه في فلسطين، والتي اعتمدت على القياس بنظام "الفصول"، والفصل هو كمية المياه المتجمعة مدة يوم واحد، أو باستخدام (الشبر) كوحدة قياس، فيما يتعلق بالقنوات، أو بالحبال، عند قياس المياه في الآبار.

ونوه قرار اليونسكو، بإدراج موقع بتير (بلد الزيتون والكرمة – منظر ثقافي في جنوب القدس) في قائمة التراث العالمي: "باعتباره تعرض للضرر بسبب التحولات الاجتماعية والثقافية والجغرافية السياسية التي من شأنها أن تصيب الموقع بأضرار جسيمة غير قابلة للتصحيح. مع الاشارة إلى الشروع ببدء أعمال بناء الجدار العازل الذي من شأنه أن يعزل المزارعين عن الحقول التي يزرعونها منذ قرون".

ولفت إلى المنظر الطبيعي لتلال بتير الواقعة على بعد بضعة كيلومترات جنوب غرب القدس، في الأراضي الجبلية بين نابلس والخليل، ووجود سلسلة أودية زراعية "تتميز بمدرجات حجرية يروى بعضها لإنتاج البقوليات، في حين يكون بعضها الآخر جافا ومزروعا كروما وأشجار زيتون.

واستند تطور هذه المدرجات المزروعة، في إطار بيئة جبلية للغاية، على شبكة من قنوات الري تغذيها مصادر المياه الجوفية. والمياه التي يتم جمعها بفضل هذه الشبكة توزع بموجب نظام توزيع تقليدي منصف بين أسر قرية بتير الواقعة على مقربة من هذا المنظر الثقافي. المسوح الأثرية التي نفذتها سلطة الآثار الإسرائيلية، كشفت ان المدرجات الزراعية في بتير، يزيد عمرها عن آلاف السنين، وانها نتاج عمل الفلاحين طوال تلك السنوات الطويلة.

وسعت سلطات الاحتلال سابقا، إلى تسجيل المدرجات الزراعية في ريف الضفة على قائمة التراث العالمي، لكنها فشلت في ذلك باعتبار الحديث يدور عن مواقع في أراض محتلة. ولكن صبر وعزم أهالي بتير، مكنهم، أخيرا، من تسجيل قريتهم، كموقع فلسطيني ذي قيمة تراثية عالمية.

http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=7&id=239508&cid=3353

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق