أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 9 مايو 2014

عندما كان الجواسيس يسمون الدبابير في سجن المسكوبية..!!






 
"العصافير" مصطلح متداول في سجون الاحتلال، كناية عن عملاء المخابرات الإسرائيلية،  ويتم تداول هذا المصطلح ضمن مصطلحات أخرى طورتها الحركة الأسيرة.

ولكن للجواسيس في السجون في زمن الاحتلال البريطاني، وصفا اخر اطلقه عليهم المناضلون في السجون، كما يتضح من مذكرات الصحافي والشخصية التي تقلدت مناصب رسمية وشعبية عديدة عيسى البندك (1898-1984م)، وصدرت المذكرات عن ديار للنشر في بيت لحم من اعداد الدكتور عدنان أيوب مسلم.

في عام 1936م أعلنت اللجنة التنفيذية الاضراب العام في فلسطين، وانتخب البندك رئيسا للجنة الاضراب في منطفة بيت لحم.

اعتقل البندك في تموز 1938، وكان يصدر جريدة صوت الشعب من بيت لحم، والتي لها اهمية في مسيرة الصحافة الفلسطينية، ونُقل إلى سجن التوقيف في القدس، ولعله يقصد على الأرجح مركز شرطة القشلة في باب الخليل.

كتب البندك في مذكراته: "كان الفصل صيفا وكنت ارتدي بذلة حريرية وكنت قبلها بأيام قد سعيت للدفاع عن رهط من وطني وتحديدا من الشمال وأخرجتهم من السجن، وكان اولئك الموقفون متهمين بأعمال ارهابية حسب زعم السلطات وقد ظل بعض منهم رهن التوقيف".

وفي اليوم التالي نقل مخفورا إلى السجن المركزي، ويقصد سجن المسكوبية: "الذي كان مكتظا بالمساجين السياسيين، ووضعت في الغرفة نمرة 36 وهي الغرفة التي تضج بالجواسيس من ذوي الضمائر السافلة والذين كانوا يحيطون كل قادم جديد بحفاوة واكرام استدراجا ليختلقوا عليه ما يدينه بالإعدام ان استطاعوا، وما ان دخلت تلك الغرفة حتى حذرني احد السجناء الاحرار قائلا: انها غرفة الدبابير فكن حذرا".

ويضيف البندك: "وكان جاري سجينا مغربيا اسمه الحاج ابراهيم، فدلني على شخصين من أولئك الجواسيس الذين ينامون معنا في تلك الغرفة مفسحا لهما ان يخرجا في اية لحظة لمقابلة الميجر جايلز مدر المخابرات العامة. وكان بين المساجين شخص من الناصرة متهم باغتيال اندروز حاكم الناصرة فعذبوه بشراسة واحضروا امرأته وهددوه بان جنديا يهوديا سيضاجعها إذا لم يعترف، وكان الرحل بريئا وعنيدا في كبريائه الوطنية وبعد ان استقر بي المقام أخذت في القاء محاضرات ليلية حتى الساعة الثانية والثالثة صباحا على زملائي المساجين ومعظمهم من اخواني المسلمين".

روى البندك المسيحي للمساجين: " كيف ان النبي العربي العظيم منع الكفار من البقاء والدخول إلى الأراضي المقدسة الإسلامية، لانهم كانوا جواسيس يحاولون ان يكذبوا على الله في قرآنه الكريم، ليس هناك جاسوس لا تعرفه الأمة، التي ستتولى حكم البلاد وسيادتها، وستحاكم الخارجين على الدين والوطن، لان خطر الجاسوس يهدد وجود الأمة باسرها وأجمعت جميع الشرائع على تحليل ذبح الجاسوس، واحراقه حيا، وان حكام هذه البلاد ليسوا من العنصر العربي يتعمدون ان يقتلعوا عرب فلسطين من ديارهم ليسلموها لليهود، ان كل مسلم لا يؤمن بالقرآن الكريم فهو عدو الله قبل ان يكون عدو أمته، وقد قال الله تعالى في قرآنه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، فالإنكليز الذين يحكمون بلادنا هم اعداء وطننا وديننا ولا يجوز شرعا ان نعتبرهم حكاما ولا اصحاب حق في هذه البلاد العربية".

ويبدو ان صدى محاضرات البندك وصل إلى ادارة السجن: "وما ان انقضى أسبوع على وجودي في هذه الغرفة 36 حتى امر مدير السجن بنقلي إلى غرفة المستشفى، حيث فيها سرير وبيت خلاء نظيف، وذات يوم حيث يُسمح لجميع المساجين ان يقضوا فسحة شمسية مدتها نصف ساعة في النهار تقدم مني شابان واحد من الرملة فارع الطول ضخم الجسم واخر من القدس نحيف الجسم قصير القامة وانتحيا جانبا وطلبا إليّ أن أقسم بشرفي ألا أبوح باسميهما كما طلبا فقالا لي: نحن نتجسس للميجر جابلز ولكن بعد مواعظك..، استل أحدهما قرآنا صغيرا من جيبه ووضع يده عليه وهو يبكي وعاهد الله والقرآن ألا يعود إلى ممارسة التجسس إذ يعني انها خيانة لله والاسلام والعرب".

يظهر عيسى البندك، في يوميات المربي خليل السكاكيني، الذي يقدم تحليلا نفسيا فكها لشخصه وللكاتب عمر الصالح البرغوثي.

في يوم الأحد 21-11-1943، أقام السياسي الفلسطيني عوني عبد الهادي، حفلة شاي تكريما للأمير السعودي منصور آل سعود، دعي إليها كما يقول خليل السكاكيني، كثيرين على اختلاف الأشكال والألوان.

حين صافح خليل السكاكيني، عيسى البندك قال له: "ما شاء الله وجهك يتدفق نورا، كأنه تفاحة حمراء"، وحين صافح السكاكيني عمر الصالح البرغوثي، قال هذا للسكاكيني: ما هذه الثياب الجديدة.

عندما عاد السكاكيني إلى منزله، كتب في يومياته، محاولا تعليل كلام عيسى البندك، مشيرا بان عيسى: "لا يهمه إلا جماله فاذا لقي الناس فلا هم له إلا ان يقابل جماله بجمالهم، وان عمر الصالح لا يهمه إلا مظهره، فلا يلقى احدا الا قابل ثيابه بثيابه".

السكاكيني لم يفوت فرصة اكمال تحليله فتابع: "...كأنهما بدويان دخلا المدينة لأول مرة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق