أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 8 مايو 2014

سَحر خليفة وسِحر الأقلية..!!


من الطبيعي، ان يهدي الكاتب، كتابه، لقاريء أو صديق، ولكن أن يحدث العكس؟ أي ان يهدي القاريء، كتابا لمؤلفه، فهذا ما حدث معي. قدمت للروائية سحر خليفة، التي زارت الأراضي الفلسطينية المحتلة، بمناسبة معرض فلسطين الدولي... للكتاب، كشخصية المعرض الثقافية لهذا العام. كتابا من كتبها.قلت لسحر، بانه لديّ نسخة من روايتها الأولى (لم نعد جواري لكم) والتي صدرت عام 1974 عن سلسلة (اقرأ) الشهيرة في القاهرة، باحتفاء من الناقد حلمي مراد، وبالإضافة إلى عنوان الرواية واسم الكاتبة، ثمة سطور على الغلاف تشيد بها، وتشير إلى انها من الأراضي المحتلة. قالت سحر بانها لا تملك أي نسخة من تلك الطبعة الأولى.
لم أعد أذكر، من أين حصلت على الرواية، ولكنني أظن من بسطة كتب قديمة في باب العمود بالقدس، قرات الرواية قبل سنوات تبدو الان طويلة، واعجبت بأسلوب سحر الروائي، ولا أعرف السبب الذي جعلني اعتقد بان النسخة التي لدي غير كاملة، وبانها ناقصة عدة صفحات.
قدمت نسخة الرواية لسحر، وهي في حالة جيدة، وغير ناقصة الصفحات. قالت، بانها ترى في الرواية سذاجة التجارب الأولى، وروت كيف انها أرسلت نصفها الذي كتبته إلى حلمي مراد، الذي كان ذائع الشهرة في ذلك الحين، فتحمس للرواية، فطلب منها ارسال الجزء المتبقي، فبدأت بكتابة الجزء الثاني لترسله إلى مراد في القاهرة، ولهذا السبب تقول سحر، بان القاريء قد يلحظ اختلافا ما بين النصف الأول من الرواية ونصفها الاخر.
في مقدمته الاحتفائية للرواية، توقع حلمي مراد، مستقبلا أدبيا مبهرا لسحر...!
لم تكن هذه الرواية الأولى التي تكتبها سحر، ولكن كما روت، ونحن نجلس تحت عريشة مزارع صامد يخطط المحتلون لاقتلاعه، ومصادرة الأرض منه، في ريف القدس الجنوبي الساحر، فانها كتبت قبل ذلك، خفية بسبب اشكالات المؤسسة الزوجية، عندما كانت تقيم في ليبيا، وعندما عادت إلى الأراضي المحتلة، عبر الجسر على نهر الأردن، صادر المحتلون الدفاتر التي كانت تخط عليها ما تكتبه، وبعد فترة، وكانت قد غادرت الأراضي المحتلة، دهم الجنود منزل العائلة في نابلس بحثا عنها لاعتقالها. في تلك السنوات، كان الاحتلال يخاف الكتابة، ويحظر دخول الكتب إلى الأراضي المحتلة، ويفرض رقابة مشددة على الصحف والكتب.
الكتابة بالنسبة لسحر، كان فعل تمرد، على الواقع الاجتماعي، والسياسي، تطور لاحقا، بشكل فريد، في توازي بين حياتها الشخصية، حيث أحرقت المراكب، والواقع الصعب تحت الاحتلال. وبعد عامين من روايتها الأولى المطبوعة، صدرت (الصبار)-1976، لتقدمها بقوة للمشهد الثقافي الفلسطيني والعربي.
وتتذكر سحر، كيف هاجم مؤيدو الفصائل الفلسطينية الرواية الجريئة، التي تُسائل كثيرا من الظواهر التي نشأت عقب الاحتلال، ومن بينها العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، لدى مشغلين اسرائيليين.
خطت سحر، خطوات روائية واثقة، وقدمت ما يُمكن ان يثير الأسئلة، مثل روايتها (أصل وفصل) التي صدرت عن دار الآداب البيروتية- 2009م.تحمستُ للرواية، التي تقدم قراءة نقدية لفترة فوارة من التاريخ الفلسطيني، وتنتقد تجربة أحد الرموز الفلسطينية البارزة وهو الشيخ عز الدين القسام، الذي تحول إلى ايقونة.
تعرضت الرواية للنقد، واكثره ليس له علاقة بالأدب، ولكن ما فأجاني ما قراته يوم 25 اكتوبر 2013، في جريدة الدستور الأردنية، من مطالبة كاتب، بمنع الرواية من التداول مبررا ذلك: "لما قدمته سحر خليفة في روايتها من تقزيم وتهميش وتشويه لنقاط ولرموز ثورية فلسطينية، يقابلها إعلاء لليهودي الطيب، وللإنجليزي (الجنتلمان)، والسؤال هنا ما العمل؟ ألا يجب أن تسحب هذه الرواية من السوق على الأقل؟ لكن من يقوم بذلك؟ ومن يمتلك السلطة لفعل ذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟".
قد يختلف أي ناقد أو قاريء في تقييم أي عمل أدبي، وهذا ضروري ومطلوب، وقد يكون في غاية الأهمية، لكن ما صدمني الطلب بحظر الرواية، التي رأيت فيها خطوة مهمة ولازمة لمساءلة تاريخنا ورموزنا، الذين ما داموا ارتضوا العمل العام، فانهم لا بد ان يكونوا عرضة للنقد، وأظن ان هذا الاتجاه في الأدب الفلسطيني قد تأخر كثيرا (وأظنه سيتأخر أيضا وأيضا).
ليس لدينا قادة حققوا انتصارات، ومع ذلك مطلوب من الكُتاب، رؤيتهم بدون أخطاء. ماذا نقول لماركيز الذي كتب عن منتصر كبير، محرر أميركا اللاتينية (بولفار) في روايته (الجنرال في متاهته)؟. من الجيد ان ماركيز ليس عربيًا.
لو كان فكر القيادة، وأساليب عملها، غير تلك (سيف الدين الحاج أمين)، لكنا رأينا مثلا، قيادة فلسطينية تعلن إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية، من القدس، مثلما فعل بن غوريون في متحف تل أبيب بإعلان اقامة الدولة العبرية. وربما التقدم نحو تل أبيب بدلا من سقوط ما تبقى من أراض فلسطينية، بعد عشرين عامًا، في ست ساعات.
كنت اعتقد انه من البديهي، في عصرنا، انه وحتى لو اختلفنا أو اتفقنا مع كاتب ما، فيجب ان نكافح من أجل ان يقول كلمته.
وكان المقال، مناسبة لآخرين ليطالبوا بحظر الرواية، لأسباب وطنية، وهذا بالنسبة لي، أمر مفزع تماما..!
في الاسبوع الثاني من نيسان (ابريل) هذا العام، جاءت سحر إلى الأراضي المحتلة، بدعوة من معرض فلسطين التاسع للكتاب، وألقت كلمة في الافتتاح، باعتبارها شخصية المعرض الثقافية، وجاءت كلمتها بين كلمات أخرى لمسؤولين، كثير منها مُرتجل، وليس له علاقة بالثقافة.
كانت سحر، تدرك، بانها تتوجه لقراء أعزاء ينتظرون لقاءها بعد غياب طويل خارج الوطن، ويمقتون الكلمات الرسمية، التي تبدأ بديباجة تعدد أصحاب المعالي والسيادة والفخامة، وتنسى الحضور.
وكانت "الأصدق والأشطر" وبزت كل الخطباء الرجال، تحدثت كما يتوجب على كاتب أو كاتبة يدرك كنه حرفته، فألقت كلمة غير مرتجلة، وهذا مهم، فيها الكثير من الظرف، والعمق، ومساءلة تجربة طويلة في السرد. كانت تتوجه إلى ما يجب ان يتوجه له من أدركتهم حرفة الأدب، وهم القراء..!!
تحدثت عن "الأقلية" النسوية والأقليات بشكل عام:
"نحن النساء، حتى وإن كنا حجر الزاوية في الأسرة، وحنان الأم وسر الخصب، وعددنا وفير ما شاء الله، أكثر من النصف، الا أننا بحكم الميراث، والقوانين، والعادة، قلة قليلة، وأقلية، وينطبق علينا قانون الأقل والأدنى والمستضعف. وفي هذا السياق، يحضرني قول زميل سامري في نابلس، مسقط رأسي، إذ قال لي يوما بأسى، لكن بذكاء: نحن السامريون مضطرون لأن نكون الأصدق والأشطر. وحين رآني أفتح عيني قال مفسرا: هذا هو حكم الأقليات في كل مكان، حتى يعيشوا ويرضى عنهم، وحتى المحيط لا يرفضهم ويعترف بهم، عليهم أن يثبتوا أن ما يقولون هو الأصدق، وما يفعلون هو الأشطر".
في الواقع ان الأقليات في معظم الأحيان تحمل هم "الأغلبيات"..!! وهذا سِحرها..!! وسِحر، وعبق سَحر..!! التي رافقتها، يومين، في جولة في أزقة وشوارع وكنائس بيت لحم، تحضيرا لرواية تستعد لها عن حصار كنيسة المهد 2002م.
http://www.qabaqaosayn.com/content/%D8%B3%D9%8E%D8%AD%D9%8E%D8%B1-%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86-%D9%88%D8%B3%D9%90%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A9

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق