أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 14 مايو 2014

‏تينة الشهداء في زكريا المدمرة..!!



 
تذكر عائشة الشيخ (90 عاما)، طعم التين، الذي كانت تطرحه تينة الشهداء، في قرية زكريا المدمرة في الهضاب الفلسطينية الوسطى، بعد 66 عامًا من النكبة.

حديث الشيخ (وهي والدة كاتب هذه السطور) دفعني للمزيد من البحث عن تلك الشجرة، وسؤال العديد من كبار السن، الذين ظلّوا على قيد الحياة من قرية زكريا، ولم تكن النتائج دائما إيجابية، ومشجعة.

مصطفى عدوي (1936-) الذي ترتبط قصة تينة الشهداء في القرية بوالده، يعيش في مخيم الدهيشة، تسكنه حكايات قريته، ويروي ما جمعه من معلومات عن والده الشهيد أحمد مصطفى عدوي، الذي استشهد وكان عمره 30 عاما.

 "انضم والدي إلى ثورة 1936-1939م، وكان برتبة قائد فصيل، وعلى علاقة بأحمد جابر الحوباني(أبو الوليد)، وهاشم الدويك، وهما من قادة الثوّار في منطقة الجنوب، شارك والدي، في كمين، نصبه ثوار من قريتنا، في منطقة وادي بولص، من أراضي قرية زكريا، لقوة بريطانية، كانت تنقل أسرى فلسطينيين، من بيت جبرين، إلى سجن عكا، فكمن الثوّار في غابة شجرية في المنطقة، ويبدو أن استخبارات الثوّار لم تكن قوية، وليس لديهم معلومات عن العدد الكبير للقوة البريطانية، التي تفوقهم عدة وعتادا، بشكل لا يقارن بقوتهم، ولديها سيارات مجنزرة"-يقول عدوي.

ويضيف: "عدد الثوّار الذين نصبوا الكمين، كان قليلا، ومن الذين عرفت منهم: أحمد الشيخ، وعلي العماش، أحمد عبد الوهاب أبو لبن، ومحمد الحاج أبو لبن، بالإضافة لوالدي، ولم يكونوا مسلحين بشكل جيد، وكل واحد منهم تدبر بندقيته بطريقته، وخلال الاشتباك، الذي أبدى فيه هؤلاء الثوّار شجاعة، أصابت رصاصة والدي، فاستشهد، في منطقة جبل أبو نفيش، وهي عبارة عن غابة تعتلي وادي بولص".

في تلك الايّام كان الاحتلال البريطاني، يعامل الثوّار والمدنيين الذين يؤويهم بقسوة شديدة، وحسب مصطفى عدوي: "يمكن ان يلاقي من يجدون لديه طلقة فارغة، حكما بالإعدام أو المؤبد، لذا كانت مسألة نقل والدي الشهيد ودفنه، ليست بالسهولة المتوقعة، تمكن رفاقه من حمله إلى القرية، ودفنوه في مقبرتها، ولكن ذلك لم يكن مطمئنا، خشية من كشف القبر من قبل البريطانيين، فجاؤوا في الليل، ونقلوا الجثمان إلى مكان اخر، ويبدو أيضا انهم رأوا انه مكان غير مناسب، فدفنوه في الليلة الثالثة في شقيف قريب من باب منزل سيدي الحاج علي، ولم يكن كثيرون يعلمون بذلك، ربما كانوا ثلاثة أو أربعة، مثل محمد مشعل، وفي الليلة الرابعة نقلوه إلى ناموس، وزرعوا شجرة تين أمام مستقرة الأخير للتمويه على البريطانيين، كي لا يستدلوا على القبر".

لا يستطيع مصطفى عدوي تحديد تاريخ استشهاد والده، ولكنه يمكن ان يقدر: "اعتمادا على الرواية الشفهية، يمكنني ان أحدد تاريخا، لقد سألت المرحوم أحمد الشيخ، الذي شارك في الكمين، وعلمت ان ذلك تم بعد ولادة ابنه توفيق بأسبوع، وبما ان تاريخ ميلاد توفيق الشيخ 2-2-1939، فانا اعتقد ان الكمين نُفذ في الفترة ما بين 2-10 شباط 1939".

كان عمر عدوي، عامين ونصف العام، عندما استشهد والده، الذي ترك خلفه زوجتين، وبنتين، وأربعة أولاد، وما يعرفه عدوي عن والده جمعه من كبار السن، وعلم ان والده درس في مدرسة زكريا الأميرية، وعُرف بسجاياه الطيبة، واندفاعه الوطني.

بعد احتلال ما تبقى من فلسطين الانتدابية في حزيران 1967، زار عدوي المنطقة التي استشهد فيها والده، وتينة الشهداء أمام قبر والده، الذي لا يعلم محتلوه بقصته.

 "بعد حزيران 1967، كنت أذهب كل اسبوع إلى زكريا، ووقفت على شباك المدرسة، ورأيت اللوح والمحاية، وربما عنوان اخر درس كُتب على اللوح، وعندما زرت القرية بعد اتفاقات أوسلو، تغير كل شيء، تسارع تدمير القرية وتغيير معالمها، ارتفعت منازل جديدة للمستوطنين، أرضنا وقبر والدي وتينته، كلها أضحت معالم مندثرة"-يقول عدوي.

أحمد مصطفى عدوي، من أوائل شهداء قريته زكريا، حتى عام 1948، كما يعتقد عدوي، سبقه بأشهر، رفيقه هاشم حسين الدويك، وهو ابن عائلة خليلية، سكنت زكريا، والذي كان قائدا لفصيل حمولة الدويك في الجنوب، واستشهد في معركة جورة بحلص (رأس الجورة الان) وهي معركة مهمة خاضها الثوّار ضد الإنجليز في الخليل يوم 11/10/1938م.

عائشة الشيخ تتذكر: "دفنوا الشهيد أحمد عدوي، في منطقة اسمها جرون المطينة، بشكل سري، وقصفوا عود تين من شجرة تين قريبة، وزرعوه أمام القبر، ونما العود وكبر وأصبح شجرة، عود التين لا يحتاج إلّا إلى أرض مناسبة، ومطر، ليصبح شجرة، وبعد حزيران 1967، عدنا في زيارة للقرية، يحتل المكان يهود من العراق، أكلنا من التينة، وتذكرنا الشهيد، وتحسرنا على حالنا، وعلى ما جرى لنا".

فاطمة علي مصطفى عدوي (80) عاما، قريبة الشهيد أحمد عدوي: "دفنوا الشهيد للمرة الأولى قرب مقام الشيخ إبراهيم، شمال القرية، وفي اليوم التالي، ذهب والدي وأقاربه، ونقلوا الشهيد إلى ناموس، تحت منزلنا مباشرة، حيث كانت توجد مقابر رومانية، نسميها نواميس، بُني عليها المنزل، ونقل والدي شجرة تين مزروعة من جذورها، وأعاد زراعتها أمام قبر الشهيد الجديد، للتمويه على الإنجليز، الذين كانوا يفتشون عن الثوّار".

وتضيف عدوي: "تم دفن الشهيد بشكل سري، حتى والدته لم يتم إعلامها بالمكان، وعندما زرنا القرية، بعد الاحتلال الثاني، ذهبنا إلى منزلنا، ورأيت التينة، التي كانت ما تزال تثمر، وعندما اقتربنا، صرخ علينا مغتصبو المنزل، وطردونا".

ويتذكر يوسف عدوي ابن شقيق فاطمة، زيارة للقرية عام 1985، مع عمته، وكيف منعهم مغتصبو المنزل من الاقتراب منه، ومن التينة، تحت التهديد.

 "عندما هُجرنا، من القرية، كنا نقطف عن التينة، سلة تين، طعم تينها أحسه في فمي حتى الان، كل شيء ذهب، وتغير، الله يرحم الشهيد، كان عمري أربع سنوات عندما استشهد ابن عمي، لم أعرفه، كان يتيما، توفي والده وهو في بطن أمه، يوم استشهاده، قال له والدي: اتركني أشارك في الكمين بدلا منك، وابق أنت في القرية، ولكنه رفض بشدة، وقال: الروح رخيصة، عندما تذهب من أجل الوطن".
 

هناك تعليق واحد:

  1. احمد رجب عبدالمجيد محمود اسماعيل محمود حسين شاهين الشمارخه

    ردحذف