أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 19 أغسطس 2013

‏‏‏"بويجي" أريحا ينعي زمنه الذهبي..!!


تكاد مهنة تلميع الأحذية، والتي يُطلق على صاحبها وصف (بويجي) ان تنقرض في الأراضي الفلسطينية، إن لم تكن انقرضت فعلا، خصوصا في بعض المدن التي كان حتى قبل سنوات قليلة، يمكن رؤية بويجي أو اكثر فيها مثل بيت لحم، بموت صاحبها، أو بقلة الزبائن، بعد التغيرات التي طرأت على نظرة المجتمع لـ "ثقافة الأحذية"، خصوصا للابسي الأحذية من الطبقة الوسطى، حيث تغيرت صورة الموظف والمعلم والصحافي، ونظرته لنفسه، ونظرة الناس له، فأصبح لا يجد نفسه مضطرا، لقضاء وقت قد يطول لتلميع حذائه، فالأنواع الجديدة من دهانات الأحذية، توفر الوقت، ولبس الأحذية الرياضية أو حتى الصنادل، أصبح طبيعيا، لأصحاب الوظائف المختلفة.

ولكن هناك واحدا، على الأقل، ما زال وفيا لمهنته التي لا يعرف غيرها، ويمارسها منذ عقود طويلة، يقف في ميدان مدينة أريحا، في انتظار زبون قد لا يأت. ولكن هذا لا يمنعه من الانتظار، لأنه لا يعرف مهنة أخرى غير تلميع الأحذية.

اسمه مصطفى خليل كمال الذي يقترب عمره من الثمانين، ورحلته مع الأحذية وتلميعها، طويلة، تصل إلى ستين عاما، فالفتى مصطفى الذي لجأ من قرية (العباسية)- غرب يافا، إلى أريحا، مشردا، فقيرا، أخذ في تلمس خطواته في مغالبة الحياة والفقر، حتى استقر به الحال يلمع الأحذية في أريحا.

يتذكر كمال، سنوات الضنك تلك، حيث لم يكن كثير من الناس يلبسون أحذية، ولكن الأمور تحسنت لاحقا، ويقول متحسرا: "زوج الأحذية الجيد كان زمان بدينار، صحيح ان الرواتب كانت قليلة، إلا ان سعر الحذاء الجيد في السابق يبقى رخيصا، مقارنة بسعره الان الذي يصل إلى 200 شيقل".

وحسب كمال، فان تلميع الأحذية، كانت مهنة رائجة في أريحا، ويقول بانه قبل عام 1967، كان في المدينة نحو 80 شخصا يعملون فيها، ان لم يكن اكثر، مع العدد الكبير من الناس، ولكن الامر تغير مع نزوح اعداد كبيرة من الناس إلى ضفة الاردن الشرقية، خصوصا من مخيم عقبة جبر، الذي يسكن فيه كمال. (لم يتسنى التأكد من هذا الرقم الكبير من جهة مستقلة)

يقول كمال: "جميع زملائي، نزحوا إلى الأردن، بعد حرب حزيران، وبقيت وحيدا، وما زالت كذلك، محافظا على هذه المهنة، التي لا أعرف سواها، لم اغير مهنتي منذ 60 عاما".

وعن سبب عدم اصابته بعدوى النزوح، قال كمال: "اخذنا كعائلة عبرة من اللجوء الأول عام 1948، لذا كان من المستحيل ان اهاجر مرة أخرى، كيف يفعلها واحدا مثلي ذاق مرارة التهجير من الأرض، لا زالت العباسية تسكنني".

يستخدم كمال، صندوق معدني في عمله، والذي أصبح الان من الأدوات الفلكلورية، ويقول بانه يرافقه منذ نحو 45 عاما، عندما اشتراه من بويجي قرر الرحيل بعد الهزيمة الثانية.

وينظر كمال إلى الصندوق كشيء ثمين، خصوصا ولو انه فقده، فسيكون صعبا عليه ايجاد واحدا مثله، بعد ضمور مهنة تلميع الأحذية.

ويرفض كمال ان يحدد ثمنا لتلميع الحذاء، قائلا بان ذلك مرهونا بما وصفها مروءة الزبون، إلا انه بشكل عام، عندما يطلب منه زبونا، مصرا، ان يحدد اجرة التلميع، يطلب 3 شيقل. اما في أيام زمان، فان عشرة قروش كانت كافية بالنسبة اليه.

ويحرص كمال، على توفير أنواع يصفها بالأصلية من الأصباغ، احتراما للزبائن، ولمهنته، ووفاء لمهنته استهلكت أكثر سنوات عمره. وهو راض بما يحصله يوميا ويتراوح كما يقول ما بين 30-40 شيقل.

"رضى"- يقول كمال، وردا على سؤال اخير اذا كانت لديه مطالب من البلدية او اية مؤسسة أخرى قال: "لا أريد لهم غير السلامة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق