أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

عاشق النعنع


تشتهر قرية بتير، جنوب القدس، بالباذنجان الذي ينتجه فلاحوها وفلاحاتها، منذ زمن غير محدد، واكتسب شهرة كبيرة، ويُمكن سماع البائعين يدللون عليه: "بتيري يا باذنجان" في القدس، وعمّان، ورام الله، وبيت لحم.

ولكن بفضل فلاح عاشق للنعنع، أصبح للنعنع البتيري أيضا مكانة، وهذا الفلاح هو معلم المدرسة المتقاعد علي محمد الزغير (ابو جمال). ورغم انه يحمل 72 عاما على كتفيه، إلا انه يبدو اكثر شبابا، والسبب كما يقول عشقه للنعنع.

يقع منزل أبو جمال، قرب عين بتير، وهي عين شهيرة، ويستخدم فلاحو بتير، نظاما للري يعود لألاف السنوات، ويستفيدون من أقنية، رومانية، رممت على مدى العصور، في ري مزروعاتهم، ومنهم أبو جمال، الذي يعتقد بان النعنع الذي يعيش بفضل نبع بتير هو الأفضل.

يفترش أبو جمال أرصفة بيت لحم، خصوصا في مساءات الصيف الندية، التي تهب على هذه المدينة التي تتحول إلى سجن، بسبب اجراءات الاحتلال، وهو يعرض نعنه، المقطوف لتوه. ويبيع كل "ضمة" نعنع فقط بشيقل.

يقول أبو جمال الذي يزرع ويبيع النعنع منذ عام 1997، بعد تقاعده مِن التدريس: "النعنع نبات صيفي، يمكن البدء بزراعته منذ شهر ايار، ويمكن أيضا زراعته في أي شهر من شهور الصيف، وأنا أزرع النعنع في مساحة نصف دونم، أُعشبه، وأُسمده، وأسقيه من نبع بتير، أعمل على هذا الامر بشكل جدي منذ 15 عاما، ولكن الزراعة في عائلتي وبالنسبة لأهالي بتير، فهي متوارثة".

ويضيف أبو جمال بعض المعلومات عن زراعة النعنع: "إذا تم ري النعنع كل أربعة أيام، فانه ينمو بسرعة، وإذا تم ريه كل ثمانية أيام، ربما كان أفضل، إذا عطش النعنع تصبح رائحته أقوى ونفاذة، وإذا تم ريه بكثرة فان الرائحة تقل، تتركز العصارة كلما عطش، بالنسبة لي فإنني أُفضل الحلول الوسطى، وهذا ما افعله مع نعنعي، لا عطش حاد ولا ري مسرف، وأظل أقطف وأبيع النعنع حتى شهر تشرين الأول، مع نذر الشتاء الأولى".

ولكن النعنع بعد غيابه الاضطراري في الشتاء، لا يفقد مكانته في المطبخ الفلسطيني، فهو يحضر عن طريق التجفيف، يقول أبو جمال: "يمكن تجفيف النعنع بطريقتين، الأول بوضعه في الظل، حتى يجف، ويُخزن، والثانية، بتنشيفه وفركه وتنعيمه وتنخيله ووضعه في مرطبان، النوع الأول مِن التجفيف يجعل النعنع يستخدم للشاي، أمّا النوع الثاني فيستخدم في السلطات، وأطعمة أخرى، ومشروبات متعددة".

وعن الجدوى الاقتصادية لمشروعه هذا، يقول أبو جمال: "اذا توفرت المياه مجانا، كما هو حال الاستفادة من نبع بتير، فهناك جدوى اقتصادية، عموما أنا اتعامل مع النعنع، اقتصاديا كعامل مساعد، لأنني اتقاضى راتبا تقاعديا".

اكتسب أبو جمال، شهرة وارتبط حضوره في بيت لحم، بالنعنع، ويقصده المواطنون، مطمئنين للنعنع الذي سيستخدمونه سواء للمشروبات الساخنة، أو في الأطعمة، أو للتخلص من مغص طاريء، وبعضهم يوصيه بكميات معينة، من أجل التخزين. وهناك من يشتري النعنع لإهدائه للأحباب، كالورد تماما.

وهناك نوع اخر من النعنع، كما يقول أبو جمال، هو النعنع البري، ولكن استعماله غير شائع، لأنه يقتصر فقط على المخبوزات.

يقضي أبو جمال كل يوم ما بين ساعة ونصف إلى ساعتين، في تعشيب وري وقص النعنع، ويقول بان النعنع يعود لينتعش بعد قصه بعشرين يوما، حيث يحين اوان قطفه من جديد.

ليس لدى أبو جمال أي طموح بتوسيع، المساحة التي يزرعها بالنعنع، قائلا بألم هذه المرة: "التقاعد يقتل كل طموح، أجد متعة كبيرة وأنا أزرع وأقص وأبيع النعنع، وهذا يكفيني".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق