أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 22 يوليو 2013

فسيفساء الحنين..والحنان

تقتحم الروائية العراقية أنعام كجه جي، في روايتها الجديدة (طشّاري-دار الجديد-2013)، حقب العراق الأخيرة، الذي تصدرت أحداثها، في السنوات المنصرمة نشرات الأخبار العالمية، ولكن الروائية، تقدم الصورة الأخرى، خلف برود العناوين، وتتغلغل في معاناة الناس. ترصد همومهم، وأحلاهم، وعوالهم، التي تنهار ببطء، وبقسوة لا مثيل لها، رغم محاولاتهم التشبث بالآمال والصبر والشجاعة للحفاظ عليها، قبل ان يكتشفوا بان خيوطها كأنها أوهى من بيوت العنكبوت.

الروائية التي تعيش في باريس، اختارت لروايتها، راوية شاعرة عراقية تعيش في باريس، تستقبل عمتها ورديّة، الطبيبة العراقية المسيحية، التي عملت أكثر من خمسين عاما في بلدها، ولكنها، في النهاية، لم يعد لها أي مكان فيه. هاجر أبناؤها إلى مختلف جهات العالم، تحت وطأة الحروب، والظروف التي تسبقها وتتبعها، ورحل زوجها إلى حيث لا يعود أحد، وتغير عالمها وضاق، واحتله لاعبون جدد، من الطائفيين، والإرهابيين. تظل ورديّة تقاوم، ولكن إلى متى؟

تصل ورديّة إلى باريس، بعد ان قررت الحكومة الفرنسية، في عهد الرئيس نيكولاي ساركوزي، استضافة أعداد من اللاجئين المسيحين العراقيين، بعد ان ضاق وطنهم بهم، في ظروف سياسية جديدة، لم تأت بقوى وأحزاب جديدة فقط، وإنما شكلت قطيعة مع تاريخ وتقاليد وحياة، لصالح واقع جديد، لا وجود لوردية فيه، الشخصية، التي من المتوقع ان تسجل حضورا ملفتا على خارطة الأدب العربي المعاصر.

من خلال ورديّة، أرادت الروائية تقديم حكاية الشتات العراقي، ومن هنا جاء اسم الرواية، كما تشرح الراوية الشاعرة لابنها معنى كلمة طشّاري:

-"بالعربي الفصيح: تفرقوا أيدي سبأ"

-"تطشّروا مثل طلقة البندقية التي تتوزع في كل الاتجاهات"

-"انهم اهلي الذين تفرقوا في بلاد العالم مثل الطلق الطشّاري"

تستخدم إنعام كجه جي، أساليب متنوعة لتقديم الشتات العراقي، عبر فسيفسائية، تتقدم فيها الأزمان والأمكنة وتتأخر وتتمازج، ولكنها تنضح بالحنين والحنان.

على الغلاف الخلفي ثمة تعريف قد يتجاوز الإشهار الدعائي "رواية كل من سُلب مسقط الرأس ومهوى القلب". تكتسب هذه الجملة المباشرة، صدقية بوجود شخصيات أخرى غير عراقية زخرت بها الرواية مثل الطبيب اللبناني، وزوجته، وشخصية الفلسطيني الافريقي غسّان، الذي جلبه احد الضباط العراقيين معه من فلسطين، طفلا بعد حرب 1948، وعاش بين العراقيين، محتفظا بلهجته الفلسطينية.

شخصية غسّان، التفاتة ذكية من الروائية، لمكون مهم في المجتمع الفلسطيني، ذو الأصول الافريقية، وجاءت هذه الشخصية مثل شخصيتي الطبيب اللبناني وزوجته، بعد دراسة من الروائية، لأجواء هذه الشخصيات في لبنان وفلسطين، ويمكن ايضا اضافة شريحة من المجتمع الاصلي في كندا، إلى اهتمامات الرواية.

انعام كجه جه الكاتبة والصحافية التي تقيم في باريس منذ سنوات طويلة، مسكونة بهذا الشرق بويلاته، وحكاياته، ورجاله، ونسائه، شرق الأوطان القدرية. كما يمكن لمسه في هذه الرواية المهمة والآسرة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق