أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 24 يونيو 2013

طعم البندورة


عندما كان عمر أبو وجيه مشعل، عشرين عاما، نُكب، ووجد نفسه لاجئا في حلحول، بعد ان كان قبلها بفترة يحمل بندقيته ويدافع عن قريته زكريا، في الهضاب الفلسطينية الوسطى، دون ان يعرف كيف بالضبط يمكن ان يكون الدفاع؟ بدون قيادة أوّ خطط.

كان يطوف في أرجاء القرية، وعلى حوافها يترصد لأي تجمع لعصابات صهيونية، ويطلق النار، ولكن الامور بدأت تأخذ طابعا مختلفا، عندما بدأت تسقط القذائف الصهيونية وسط البلد، وفي ساحة مقام النبي زكريا.

يقول مشعل (86) عاما، وهو يجلس في باحة منزله في قلنديا، قرب القدس: "بدأت الناس تنزح عن أرضها، وسط الفوضى والقتل".

ورغم ما حدث في تلك الايّام التي لا يمكن ان ينساها مشعل، إلا ان عددا من العائلات رفضت ان تترك منازلها، ومن بينها عمته.

قرر مشعل، العودة إلى القرية، لزيارة عمته، انطلق ليلا من حلحول، في طرق صعبة وطويلة وخطرة، حتى وصل مشارف القرية، اتجه إلى حقل للعائلة في تل زكريا، مزروع بالبندورة، قطف حبات من الخضروات التي زرعها قبل لجوئه، وتوجه إلى منزل العمة، التي حضّرت سلطة، وتناولا الاكل معا.

يقول مشعل: "لم أتذوق مثل تلك السلطة في حياتي، البندورة التي كنا نزرعها مميزة، لقد قلت ذلك مرارا بان طعم بندورة تل زكريا ما زالت تسكنني، لم اذق مثلها ابدا".

وبعد فترة، قرر أوّل رئيس لدولة الاحتلال دافيد بن غوريون، افراغ قرية زكريا ممن بقي فيها، ونقل السكان إما إلى الرملة، او الضفة الغربية.

تشرد مشعل وعائلته في أكثر من محطة لجوء، فبعد حلحول، لجأ إلى العوجا قرب أريحا، ثم إلى مخيم العروب، قرب الخليل، والتحلق بسلك الشرطة، وعمل في مركز شرطة القشلة بالقدس في قسم التحقيق، وبعد حزيران 1967، عمل كشرطي على مداخل المسجد الأقصى، وسكن في عقبة السرايا في البلدة القديمة، ويعتبر تلك السنوات مَن أهم واجمل أيّام حياته.

يقول متذكرا: "كثيرا ما كنت أئم المصلين، في غياب الامام، ما أجمل مجاورة الاقصى".

بعد الاحتلال الجديد، زار قريته زكريا، مشاعر محتدمة، لف على كل الأراضي والأملاك التي كانت له ولعائلته، وسار في الشوارع التي دب عليها.

ودخل منزل العائلة، التي سكنته عائلة يهودية من كردستان العراق، وتحسس مراقد الطفولة، التي احتلها مستوطنون اتوا من مكان قصي ليأخذوا مكانه، وتاريخه، وليناموا في فضاء أحلامه.

كان مشعل ينتظر العودة إلى قريته، ولكن نتائج الحرب، جعلته يعود، متحسرا، زائرا، متفقدا ما أصبح في أيدي الآخرين.

يمضي مشعل، وقته الان بين منزله في قرية قلنديا، قريبا من الجدار الفاصل، وبين مسجد مخيم قلنديا، الذي يقطع الشارع حتى يصله.

ورغم كل ما مرّ به، يقول مشعل: "ما زال لدي أمل كبير في العودة، هذا شعور حقيقي أعيشه، ولا يمكن ان اعيش بدون هذا الامل، سنعود، انا على ثقة بذلك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق