أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 2 مارس 2013

عندما أنشد معروف الرصافي لتلاميذ فلسطين

عاش الشاعر العراقي معروف الرصافي (1875 - 1945 م) فترة من حياته في القدس، وكان جزءا من فضائها الثقافي، المتفتح على بزوغ القرن العشرين الجديد آنذاك، وما حمله "قرن العلم والتقدم" هذا من آمال لمثقفي فلسطين، الذين فجعوا لاحقا بالمآسي وضياع وطنهم.
ويمكن تلمس حضور الرصافي الثقافي في فلسطين، في مصادر قليلة، مثل يوميات المربي خليل السكاكيني (1878 – 1953)، ولكن بعض جوانب ذلك الحضور بقيت مجهولة، أو لم يسلط عليها الضوء الكافي، مثل مساهمته التربوية، التي تظهر في مجموعة من الأناشيد المدرسية صدرت بالقدس عام 1921.
ووفقا لما تضمنه كتيب "مجموعة الأناشيد المدرسية" الذي ضم منظومات الرصافي لتلاميذ فلسطين، يبرز دور لتربوي رائد هو خليل طوطح مدير دار المعلمين بالقدس ناشر الكتيب، والذي جمع مادته وانتخب ألحانها، التي تظهر مرافقة ككتابة موسيقية للأناشيد.
في تلك الفترة كان الرصافي أستاذاً للغة العربية في دار المعلمين بالقدس، وكتب طوطح في تقديمه للكتيب: "من ضروريات المدنية في هذا العصر انتشار الأناشيد الوطنية وغير الوطنية بين جميع طبقات الأمة، ولا سيما بين طلبة المدارس حتى لقد أصبحت الأناشيد المدرسية من وسائل التربية والتعليم كما هو مشاهد اليوم عند الأمم الراقية".
تعكس هذا الكلمات طموح جيل من المثقفين والتربويين الفلسطينيين، لديهم حلم اللحاق بركب الأمم المتقدمة، والتقوا في لحظات فارقة، ليقدم كل منهم، ما يستطيع.
ويشرح طوطح فكرة الكتيب الموسيقي: "ولما رأينا مدارسنا اليوم في البلاد العربية يعوزها مثل هذه الأناشيد انتهزنا فرصة وجود الأستاذ معروف الرصافي بيننا فانتخبنا بعض ما رأيناه موافقا للمطلوب من الألحان الغربية والأغاني العربية، وطلبنا إلى معروف الرصافي أن ينظم لنا كلاما ينطبق على تقاطيع الألحان المذكورة ليغني بها أبناء مدارسنا فأجابنا إلى ذلك فجاءت مشتملة على مواضيع وطنية علمية تنشط التلاميذ إلى طلب العلم وتغرس في نفوسهم حب الوطن".
ويقول طوطح، بان الهدف من هذه الأناشيد أيضا الترويح عن نفوس التلاميذ من عناء الدرس، وليترنموا بها ويستفيدوا.
ويبدو أن أديب العربية إسعاف النشاشيبي (1882-1948م)، الذي كان الرصافي يحل ضيفا عنده في قصره الذي ما زال قائما في حي الشيخ جراح( من ضواحي القدس)، لم يفوت فرصة صدور الأناشيد في كتيب، فكتب مقدمة جذلة وقصيرة جدا، بخط يده، تحت عنوان (كلمة مستجيد لهذه الأناشيد) جاء فيها: "أما بعد فقد استمعت تلك النشائد التي نظمها شاعر الأمة (الأستاذ الرصافي) فألفيتها قد جازت الغاية في الإبداع، وان المدارس في فلسطين وفي كل إقليم ينطق بالضاد أهله لمفتقرة جد مفتقرة إليها. ولن يجود جائد في العلم على معاهده في هذا الوقت بمثل الذي جاد الرصافي به فليجزه الله بصنعه الجميل جزاءه وليجز الأستاذ خليل أفندي طوطح ناشر هذه النشائد فقد ظاهر الرصافي في إحسانه. وكان في بث هذا الخير من اعوانه".
قصر أديب العربية يقع الآن في بؤرة التوتر، في ظل نجاح مجموعات من المستوطنين اليهود بالسيطرة عل منازل فلسطينية في حي الشيخ جراح.
القصر الذي بناه النشاشيبي، وزخرفه بقطع الموازييك الأزرق التي ما زالت تزينه حتى الآن، حل به كثيرون من أعلام الأدب العربي مثل الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وحافظ إبراهيم (شاعر النيل)، ومعروف الرصافي، صاحب هذه الأناشيد، والذي تذكر أيامه المقدسية، في قصيدته التي يقول فيها: "ويل لبغداد مما سوف تذكرني عنها وعن الليالي في الدواوين".
واستذكر القدس وأصدقائه فيها:
"إذ كان فيها النشاشيبي يسعفني
وكنت فيها خليلا للسكاكيني
وكان فيها ابن جبر لا يقصر في
جبر انكسار غريب الدار محزون".
والإشارة واضحة لإسعاف النشاشيبي، والمفكر الفلسطيني خليل السكاكيني، وعادل جبر وهم الذين دعوه للتعليم في القدس، بعد ان تناهى إلى أسماعهم ظروف صديقهم التي لم تكن ملائمة في بغداد لطموحه، فوصل القدس وأصبح مدرسا في دار المعلمين يتقاضى ثلاثين جنيها، وحصل على سكن في دار المعلمين، واشترت وزارة المعارف ألف نسخة من كتيب الأناشيد المدرسية، وأصبح جزءا من شلة الأدباء التي تجمعت حول جبر والنشاشيبي والسكاكيني، وفي زوجة الأخير سلطانة (أم سري) كتب الرصافي ممتنا لحسن استضافته وباقي الشلة في منزل السكاكيني الذي فقده عام 1948:
"أأم سري انت سلطانة اليها اطاعك منه ما عصى الناس اجمعا
ولم يرَ نقصا في محياك ناظري سوى ان كل الحسن فيه تجمعا"
ولا يعرف ماذا كان سيكتب الرصافي، لو قدر له أن يعيش ليرى حال القدس الآن وحال قصر أديب العربية، ومنزل السكاكيني الضائع، وحال تلاميذ ومدارس فلسطين، وحال فلسطين نفسها.
وربما من الأفضل له أن لا يعرف المكان الذي عثر فيه يوسف الشرقاوي، وهو مقاتل سابق ومحلل عسكري حاليا، على كتيب أناشيده، الذي كان ضمن كتب وأوراق مربية راحلة اسمها بديعة أبو رمان من مدينة بيت جالا، ضاقت عائلتها بحاجياتها فرمتها في القمامة، فحملها الشرقاوي وقدمها هدية لكاتب هذه السطور.
http://www.qabaqaosayn.com/content/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%AF-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B5%D8%A7%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B0-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86

هناك تعليق واحد:

  1. Hoωԁу! Do уou know if they make anу ρlugins to help wіth SEΟ?

    I'm trying to get my blog to rank for some targeted keywords but I'm not seеing
    very good ѕuccess. If уou know of any plеaѕe share.
    Kudos!

    Feel free to visіt my site home depot garden center

    ردحذف