أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

عكّا (1186)م: مدينة الكفار والمسلمين والجواري

استدعى الأمير الاندلسي أبو سعيد، محمد بن احمد بن جُبَير الكناني، يوما، ليكتب عنه كتابا، ويروي بأن أبا سعيد كان يشرب الخمر، وأرغم ضيفه ابن جبير،على شرب سبعة كؤوس من الخمرة، ومنحه: "سبعة أقداح دنانير"، ويبدو أنها كانت مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت، فقرر ابن جبير أداء فريضة الحج تكفيراً، ونتج عن ذلك كتابه (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار)، الشهير برحلة ابن جبير.
ما الذي يجعل المحققين، ودور النشر، تصدر طبعات حديثة من رحلة ابن جبير؟، قد تكون اهمية الرحلة البالغة تعطي تفسيراً مقنعاً، ولكن محقق أحدث الطبعات للرحلة التي صدرت هذا العام 2012، عن دار الكتاب العربي، ابو المظفر سعيد بن محمد السناوي، يسوغ تحقيقه للرحلة العتيدة: "حاولنا- قدر الاستطاعة- تقديم الرحلة في ثوب جديد، وذلك بما علقنا عليها من تعليقات وحواشٍ"، و"..غير ذلك من الفوائد التي سيدركها القاريء اللبيب"، وقد لا يكون هناك جديد في ما قدمه السناوي، يمكن ان يدركه القاريء اللبيب أو غير اللبيب، غير غضبه على ما يسميها (البدع) بحواشٍ، تتكرر كما هي.
يعتمد السناوي على طبعات الكتاب الاخرى، وما كتبه آخرون مثل الباحث زهير ظاظا من موقع الوراق: "أشهر رحلات أهل الأندلس. طبعت كاملة لأول مرة في لندن سنة 1852م بعناية الإنجليزي رايت. ثم في ليدن 1907م وترجمت قديماً إلى لغات كثيرة. خرج ابن جبير من بلده غرناطة يوم الخميس 8 / شوال / 578هـ بصحبة صديقه: أحمد بن حسان، قاصداً أداء فريضة الحج، عن طريق البحر".
استغرقت رحلة ابن جبير، أكثر من ثلاث سنوات (من شباط سنة 1182م حتى نيسان عام 1185م). أطول فصول الرحلة، وأمتعها، واكثرها تأثيرا، تلك التي خطها ابن جبير عن إقامته في مكة لمدة ثمانية أشهر، وكذلك وصفه للظروف خلال حصار صلاح الدين لقلعة الكرك، وكذلك ما كتبه عن دمشق، وعن صقلية وظروف المسلمين فيها، وكل ذلك بلغة مؤثرة، تكاد تقطر دمعاً.
ويبدو ابن جبير متعصبا لدينه، وقد يكون ذلك مبررا في ما ذكره عن أوضاع المسلمين الذين كانوا أقلية في صقلية، لكن الأمر ربما يكون غير مفهوم بما يتعلق بعكا التي زارها وهي تحت الاحتلال الصليبي. ومكث فيها حتى حانت فرصة للمغادرة مع تجار من النصاري إلى صقلية. ويبدو ان التبادل التجاري بين المسلمين والصليبيين، كما تظهره الرحلة، لم يتأثر كثيرا بالسياسة، ما دام التجار من كلا الجانبين يدفعون ضرائبهم وكل ذلك، كما يقول ابن جبير: "وأهل الحرب مشتغلون بحربهم، والناس في عافية، والدنيا لمن غلب".
تبدو عكا الصليبية في رحلة ابن جبير من أول وهلة مريحة، مقارنة بما لقيه في بلاد المسلمين كمصر مثلا: وبتنا تلك الليلة وصبحنا يوم الثلاثاء العاشر من الشهر المذكور، وهو الثامن عشر لشتنبر (ديسمبر)، مدينة عكة، دمرها الله، وحملنا إلى الديوان وهو خان معد لنزول القافلة، وأمام بابه مصاطب مفروشة فيها كتاب الديوان من النصارى بمحابر الآبنوس المذهبة الحلى، وهم يكتبون بالعربية ويتكلمون بها، ورئيسهم صاحب الديوان والضامن له يعرف بالصاحب، لقب وقع عليه لمكانه من الخطة، وهم يعرفون به كل محتشم متعين من عندهم من غير الجند. وكل ما يجنى عندهم راجع الى الضمان، وضمان هذا الديوان بمال عظيم. فأنزل التجار رجالهم به ونزلوا في أعلاه، وطلب رحل من لا سلعة له لئلا يحتوي على سلعة مخبوءة فيه واطلق سبيله فنزل حيث شاء. وكل ذلك برفق وتؤدة دون تعنيف ولا حمل. فنزلنا بها في بيت اكتريناه من نصرانية بإزاء البحر".
ويصف عكا كمدينة تعددية: "هي قاعدة مدن الإفرنج بالشام، ومحط الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، مرفأ كل سفينة، والمشبهة في عظمتها بالقسطنطينية، مجتمع السفن والرفاق، وملتقى تجار المسلمين والنصارى من جميع الآفاق، سككها وشوارعها تغص بالزحام، وتضيق فيها مواطيء الاقدام، تستعر كفرا وطغيانا، وتفور خنازير وصلبانا، زفرة قذرة، مملوءة كلها رجسا وعذرة. انتزعها الإفرنج من أيدي المسلمين في العشر الأول من المئة السادسة، فبكى لها الإسلام ملء جفونه، وكانت أحد شجونه. فعادت مساجدها كنائس، وصوامعها مضارب للنواقيس، وطهر الله من مسجدها الجامع بقعة بقيت بأيدي المسلمين مسجدا صغيرا، يجمع الغرباء منهم فيه لإقامة فريضة الصلاة. وعند محرابه قبر صالح النبي (ص) وعلى جميع الانبياء، فحرس الله هذه البقعة من رجس الكفرة ببركة هذا القبر المقدس".
ومقام صالح قائم حتى الان، وسط إحدى مقابر المدينة، وكذلك عين البقر التي كانت تشرب منها المدينة، حتى عهد احمد الجزار، والتي ذكرها ابن جبير: "وفي شرقي البلدة العين المعروفة بعين البقر، وهي التي اخرج الله منها البقرـ لآدم (ص). والمهبط لهذه العين على ادراج وطية، وعليها مسجد بقي محرابه على حاله، ووضع الإفرنج في شرقيه محرابا لهم. فالمسلم والكافر يجتمعان فيه، يستقبل هذا مصلاه وهذا مصلاه. وهو بأيدي النصارى معظم محفوظ، وأبقى الله فيه موضع الصلاة للمسلمين".
عين البقر، ذكرها كثيرون من الرحالة، وقد أغضبت آخرين مثل محمد بن محمد التافلاتي في رسالته ( تحذير أعلام البشر من أحاديث عكا وعينها المسماة بعين البقر).
وبعد رحلة الى "صور دمرها الله" يعود ابن جبير من جديد الى عكا، للإبحار الى جزيرة صقلية، ولديه الوقت ليروي، عن الناس، والطقس، والريح الشرقية التي لا تهب فيها الا في فصلي الربيع والخريف.
تظهر رحلة ابن جبير احترامه للمرأة، ويبدو أن ذلك يعكس منحى شخصيا، فكتب الاعلام تذكر بأنه قام برحلة اخرى بعد وفاة زوجته المحبوبة، ورثاها بديوان كامل سماه (وجْد الجوانح من تأبين القرين الصالح).

هناك تعليق واحد:

  1. Sweet blog! I found it while surfing around on Yahoo
    News. Do you have any tips on how to get listed in Yahoo
    News? I've been trying for a while but I never seem to get there! Appreciate it
    My site - liverpool transfer rumours transfer news

    ردحذف