أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 3 نوفمبر 2012

الحصاد أمرّ من الحنظل

يحاول الاسير عبد الله البرغوثي، المعزول في سجن ريمون، عبر نحو 150 صفحة الاجابة عن سؤال وجهته له ابنته: «من أنت؟».
لقد ترك البرغوثي عندما اعتقل في عام 2003، ابنته تالا، وعمرها اربعة اعوام، في ظروف صعبة، حيث تم اعتقاله بالقرب من بلدية البيرة، في كمين احتلالي، وكان في طريقه لعلاج ابنته، وعندما اطلق جنود الاحتلال الكلاب المدربة باتجاهه، القى بابنته في السيارة ليحميها، كبرت البنت التي ارادت ان تعرف الكثير عن والدها، الذي تمر السنوات وهو قابع في زنزانته الانفرادية.
وهكذا جاءت مذكرات البرغوثي التي صدرت بعنوان (مهندس على الطريق..أمير الظل) والتي كتبها في زنزانة العزل في سجن ريمون، الذي يصفه البرغوثي: «في الجنوب الفلسطيني، وقريبا من حدود مصر العربية مصر الثورة والثوار»، ويشير بكثير من الامل انه كتب كتابه: «بعد الربيع العربي، الذي امل ان يتحول لعاصفة على الصهاينة».
يقدم البرغوثي، شهادته على أحداث مهمة في انتفاضة الاقصى في سنواتها الاولى، وإن كان ذلك دون تفاصيل كثيرة، لأسباب امنية كما يقول، لذا جاءت روايته منقوصة، وكأنه يقول نصف الحقيقة، تاركا النصف الاخر لظروف اخرى.
يحاول البرغوثي، بقصد او دون قصد، ان يوحي بانه كان رجل الاقدار، الذي كانت تنتظره فلسطين، فهذا الشاب الذي ولد في الكويت وتنقل بين الاردن وكوريا، عندما عاد الى فلسطين قبل الانتفاضة، بفيزا سياحية، ورأى الاوضاع الناتجة عن ممارسات الاحتلال، قرر خوض النضال لتحرير فلسطين، فعل بصمت، وبدأ، وهو مهندس الالكترونيات البارع، بتهريب ما يلزمه من ادوات، عبر الجسر، حتى تحين ساعة تحقيق حلمه. ودون تنسيق مع أي فصيل.
ورغم نجاح البرغوثي في عالم التجارة، وزواجه، وثرائه كما يؤكد اكثر من مرة في المذكرات، الا ان فعل شيء من اجل فلسطين كان هاجسه وإن كان لا يعرف بالضبط كيف ومتى يبدأ؟، حتى وضعته الأقدار في طريق احد كبار السن، لا يذكر اسمه، وان كان يشير الى انه من نفس العائلة (البرغوثي)، ويستبشر العجوز خيرا في عبد الله البرغوثي، ويدعوه الى منزله لتناول الغداء، ويكشف له عن سر، حيث يطلب منه ان يحفر في الارض، واخراج حقيبة، قال العجوز انها تعود للشهيد يحيى عياش، مهندس كتائب عز الدين القسام، ويطلب العجوز من البرغوثي، ان يكمل طريق عياش، قائلا بان الاخير خبأ الحقيبة لدى العجوز، ولم يعد ليأخذها، وكما هو معروف تم اغتيال عياش في قطاع غزة في عملية معقدة بإشراف الشاباك الاسرائيلي.
يرصد عبد الله البرغوثي، بدايات انتفاضة الاقصى، ونشاط ابن عمه الحمساوي بلال، وهي نشاطات جماهيرية، ولكنها لم تقنع عبد الله، الذي يقرر بالتعاون مع بلال خوض غمار العمل العسكري، وهكذا يصبح عبد البرغوثي، مهندس كتائب عز الدين القسام المنتظر.
في المذكرات اضاءات مهمة وإن كانت غير كافية على بعض قادة الانتفاضة مثل الشهيد ايمن حلاوة، الذي قاد كتائب القسام في نابلس، ويقر عبد الله البرغوثي بهذا النقص، ويطلب من ابنته تالا، عندما تكبر ان تكتب الكتب التي توثق للشهداء.
ويؤرخ البرغوثي، لمرحلة اخرى في نشاط كتائب القسام، ولأسباب امنية يتحدث عن دور ما يسميه (ابو علي السلوادي) ويبدو ان المقصود هو الاسير ابراهيم حامد.
وفي هذه المرحلة، يقول البرغوثي بانه درب العديد من عناصر القسام في المحافظات ليكون كل منهم مهندسا في موقعه.
وخلال الكتاب يكشف عن بعض مآثره الالكترونية، مثل اختراقه لشبكات الهاتف الاسرائيلية، وقدرته على الاستماع لأي حديث يجري في الغرف، بينما الهاتف المحمول الذي يتتبعه، صامت.
يبدو البرغوثي طوال صفحات المذكرات قويا، وذا معنويات مرتفعة، ولكن يلاحظ القارئ، ان الامر يختلف قليلا عند الحديث عن خيبته وخيبة الاسرى المعزولين من عدم الافراج عنهم في صفقة شاليط.
خلال التحقيق الذي استمر 6 اشهر مع البرغوثي، يؤكد انه كان يسعى الى الشهادة، لان النصر بدا بعيدا ولن يتحقق قريبا، ولا يتطرق الى اسباب عدم تحقيق النصر، وبهذا تفتقد المذكرات عنصر المراجعة والمكاشفة.
في فلسطين التضحيات كبيرة، والحصاد أمرّ من الحنظل.

هناك تعليق واحد:

  1. This web site certainly has all the information I wanted concerning this subject and didn't know who to ask.
    My blog :: man utd transfer news now

    ردحذف