أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

العبقري الفنان الذي غيّر عالمنا


 
قد يكون لدى الكُتاب توقعات كبيرة، حول فعل الكتابة التغييري، ولكن، إذا كانوا محقين، فان الأمر لن يكون بالسهولة أًوْ السرعة المتوقعة، على عكس أشخاص عشنا ورأينا كيف يُغيّرون حياتنا، وإلى الأبد بطريقتهم، ودون استشارتنا، كما فعل مثلا ستيف جوبز (1955-2012)، الذي يقف وراء منتجات مثل آي بود، وآي باد، وآي فون وغيرها.
على برنامج القراءة في الآي باد قرأت سيرة جوبز بقلم والتر إيزاكسون، ولا شك بأنني واحد من ملايين، حققنا حلم جوبز، الذي كان يسعى إلى الكمال، وخطط لتغيير عالم النشر والقراءة، ولا شك بأنه حقق نجاحاً كبيراً، وفي حين بدأ تفكيره بتخليص تلاميذ المدارس من آلام العمود الفقري وأمراضه المحتملة، بسبب ثقل الحقائب المدرسة، مجرد حلم، فقد أصبح الحلم حقيقة مع شيوع استخدام الآي باد في مدارس عديدة حول العالم، واعتماد بعض الدول مثل تركيا عليه في مدارسها.
هذه السيرة قد تكون الرسمية لجوبز، فهو طلب مِن الصحفي كاتب السير والتر إيزاكسون كتابتها، ولكنها لا تشبه أيدًا السير الرسمية وغير الرسمية لرجال السياسة أًوْ الأدباء العرب، فالكاتب اعتمد على بحث ميداني ولقاء أكثر من 100 شخصية، مِن بينهم مَن يبغضون جوبز نفسه، ليقدم سيرة مليئة بالبوح والصراحة، حتى ليشعر القارىء في القسم الاول من الكتاب بان جوبز، ليس سوى شخص غريب متطرف في عاداته الغذائية وملابسه، وأسلوبه الهيبي في الحياة. ولا يمكن ان ينجح في شيء، وسيعيش عالة على الآخرين.
ولا شك ان هذه السيرة، التي صدرت بالعربية عن مكتبة جرير في الرياض، تؤكد اختلاف الثقافات بين عالما العربي، والعالم الآخر، الذي يصدر لنا مكتشفاته ويحولنا الى كائنات استهلاكية.
ولد جوبز في سان فرانسيسكو في 24 فبراير 1955 لأب سوري مهاجر هو عبد الفتاح الجندلي، وامرأة أميركية هي جوان شيبل، اضطرا للتخلي عنه طفلاً وعرضه للتبني، لأسباب تبدو غير مقنعة أبدًا، فوالد الأم، كان يرفض ارتباط ابنته بجندلي، وهدد بحرمانها من الميراث، ولكنهما تزوجا بعد فترة قصيرة من ولادة ستيف.
تبنى ستبف زوجان من كاليفورنيا هما بول وكلارا جوبز، ولا شك ان مسألة تركه صغيرًا، مِن قبل والديه ترك اثرا عميقا في حياته، كما نتبينه من هذه السيرة، ورغم ان ستيف تصالح لاحقا مع امه البيولوجية وغفر له وسامحها، الا أنه لم يفعل الشيء نفسه مع الأب عبد الفتاح جندلي، فرفض مقابلته.
شقيقة ستيف الروائية منى سمبسون، ولدت بعد زواج والديهما، ولكن الجندلي هجر عائلته، فحملت منى اسم عائلة زوج أمها، وجعلت من حياتها موضوعا لرواياتها، وهي مَن بحثت عن والدها الذي ترك التدريس في الجامعة، وامتهن افتتاح المطاعم، وقال لها عندما قابلها بأنه كان يملك مطعما يقدم طعاما شرق أوسطيا، كان يرتاده المشاهير مِن أمثال ستيف جوبز، ولم يكن يعلم انه ابنه، أمّا جوبز فتذكر ذلك الرجل السوري الأصلع الذي كان يدير المطعم.
ما كُتب عن الجندلي في الصحف العربية، بعد رحيل جوبز، يشير الى اننا ازاء رجل مثقف مهموم بالقضايا القومية، ينحدر من عائلة ثرية، خريج الجامعة الأميركية في بيروت وترأس جمعية العروة الوثقى الأدبية الفكرية، القومية الاتجاه التي ضمت أسماء معروفة مثل جورج حبش، وقسطنطين زريق، وشفيق الحوت. مما يُصعب مسألة فهم تخليه عن ابنه، بالطبع ضمن مفاهيمنا العربية الشرقية.
يعرض الكتاب كبير الحجم (نحو 640 صفحة)، لتقلبات جوبز وعاداته الغريبة، وغروره، وتسامحه، وعدوانيته، وجريه وراء الفلسفات الشرقية، وعيشه حياة الهبيين، ورحلته الطويلة إلى الهند لاستكشاف عوالم جديدة.
ويعرض الكتاب بالتفصيل لكل منتج كان يقف جوبز خلفه، بالإضافة الى تأسيسه وادارته لإمبراطورية (آبل) وخروجه منها، للعودة من جديد ليقود هذا العملاق الالكتروني. ويسفر عن ذلك منتجات، لم يعد العالم بعدها مثلما كان من قبل.
ويعرض الكتاب لعلاقات جوبر المتقاطعة مع أقطاب صناعة الالكترونيات مثل بيل غيتس، واختلاف رؤيتهما، فغيتس مثلا مع الأجهزة المفتوحة التي تجعل المستهلك، يكون مساهما ايجابيا، أمّا جوبز فتقف وراء منتجاته من الماكونتش الى الآي باد، والآي فون، فلسفة اخرى مغلقة، فهو يسعى الى الكمال، ولا يريد ابدا ان تتأثر ابداعاته بأية عوامل خارجية.
إذا أردنا اعتبار جوبز عربيا،بشكل أًوْ باخر، فانه ليس العربي الوحيد، الذي يمكن ان نلاحظ نبوغه في هذه السيرة، فهناك المهندس طوني فاضل من أصول لبنانية، الذي اعتمد عليه جوبز في مشغل آي بود وهاتف آي فون، شغل منصب نائب الرئيس الأول لأجهزة أي بود في شركة آبل. التي انضم اليها في العام 2001، وعمل إلى جانب ستيف جوبز على تطوير منتجات آبل كافة.
لا يترك المؤلف مساحة كافية لستيف جوبز، ليتحدث، لأنه يريد أن يقدم سيرة مهنية موضوعية، تليق بسيرة كاتبها المهنية، ولكن في المرات القليلة التي أورد فيها مقاطع طويلة نسبيا من أحاديث جوبز، يمكن الوقوف على بعض تأملاته من رحلته الى الهند، بحثا عن معان كثيرة في الحياة: "لا يستخدم الناس في ريف الهند ذكاءهم مثلما نفعل، انهم يستخدمون حدسهم. لذا فان الحدس لديهم أكثر تقدما من أي مكان اخر في العالم. والحدس شيء قوي للغاية، أكثر قوة من الذكاء".
ويرى جوبز ربما بنظرة محكومة بالمركزية الغربية: "إن التفكير المنطقي للغرب ليس سمة متأصلة في البشر، ولكن يمكن تعلمها. ولهذا فهي انجاز عظيم للثقافة الغربية. ففي القرى الهندية، لا يتعلمون التفكير المنطقي ابدا. انهم يتعلمون شيئا آخر متساويا في قيمة التفكير المنطقي في بعض الجوانب، ولا يضاهيه في جوانب أخرى، انها قوة الحدس والحكمة التجريبية".
وجوبز على قناعة: "اعتقد ان البيئة تحدد سمات الشخص اكثر من العوامل الوراثية، ورغم ذلك ينبغي التساؤل قليلا عن جذورك البيولوجية".
ماذا لوّ ولد ستيف "الجندلي" وعاش في العالم العربي؟ هل كان سيغير عالمنا فعلا؟.
بعد ان قرأت الكتاب، بحثت في الشبكة العنكبوتية عن معلومات للإستفادة في كتابة هذا التقريظ، ففوجئت بنقاش في منتديات حول إذا كان جوبز من أهل النار أم لا؟ أوْ هل يجوز الترحم عليه.. ولا تعليق.

هناك 9 تعليقات:

  1. My partner and I stumbled over here by a different web address
    and thought I might as well check things out. I like what I see so i am just following you.

    Look forward to going over your web page yet again.
    Also see my web page :: soccer transfer news and rumors

    ردحذف
  2. It is not my first time to go to see this
    website, i am browsing this web site dailly and take pleasant information from here every day.
    Also visit my page :: transfer news at arsenal

    ردحذف
  3. It's actually a cool and useful piece of info. I'm glad that you shared
    this helpful information with us. Please stay
    us informed like this. Thank you for sharing.
    My weblog - arsenal latest transfer news

    ردحذف
  4. Hey! I'm at work browsing your blog from my new apple iphone! Just wanted to say I love reading your blog and look forward to all your posts! Keep up the excellent work!
    My web page ... transfer rumours for liverpool

    ردحذف
  5. I go to see each day a few blogs and blogs to read articles or reviews, but this
    web site gives quality based articles.
    Also visit my website :: transfer rumours arsenal summer 2011

    ردحذف
  6. Hello! I'm at work browsing your blog from my new iphone 3gs! Just wanted to say I love reading your blog and look forward to all your posts! Keep up the excellent work!
    Look at my blog ; e cooking games pizza

    ردحذف
  7. We absolutely love your blog and find a lot of your post's to be just what I'm looking for.
    Would you offer guest writers to write content for yourself?

    I wouldn't mind writing a post or elaborating on a number of the subjects you write concerning here. Again, awesome web site!
    Here is my site ... pizza games pc

    ردحذف
  8. Heya just wanted to give you a brief heads up and let you know a few of the images aren't loading correctly. I'm not sure why but I think
    its a linking issue. I've tried it in two different web browsers and both show the same results.
    My page: pizza games for girls

    ردحذف
  9. Hey I know this is off topic but I was wondering if you knew of any widgets
    I could add to my blog that automatically tweet my newest twitter updates.

    I've been looking for a plug-in like this for quite some time and was hoping maybe you would have some experience with something like this. Please let me know if you run into anything. I truly enjoy reading your blog and I look forward to your new updates.
    Also visit my blog - pizza games to play

    ردحذف