أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

صانور: هنا استشهد قائد ثورة الفلاحين



يبلغ عمر احمد عبد الله طه العيسة (85 عاما)، ورغم عمره المديد، فان ابرز حدث لهذا الرجل الذي عمل جمّالا، قبل ان يقعده تقدمه في السن عن العمل، هو استشهاد عبد الرحيم الحاج محمد (ابو كمال)، الذي يوصف بانه القائد العام لثورة 1936-1939م، التي كان الفلاحون وقودا لها.
ورغم مرور سنوات طويلة، على استشهاد الحاج محمد، الا ان الحدث، امر لا ينسى بالنسبة للعيسة، ولاجيال متلاحقة في قرية (صانور)، قضاء جنين، التي تعتلي تلة مشرفة، تطل على سهل ومرج صانور، والتي وصل اليها ابو كمال قادما من بيروت، عبر غور الاردن، حيث قضى ليلته في علية دار الحاج حسين، وكان ذلك يوم 26-3-1939م، كما يذكر الدكتور نمر سرحان، والدكتور مصطفى قبها في كتابهما عن الشهيد أبو كمال.
يعتبر ابو كمال، احد ابرز قادة تلك الثورة الميدانيين، وقد يكون وصف القائد العام، تفخيميا أكثر منه واقعيا، وهذا لا يقلل منه كقائد بارز في المنطقة التي سماها البريطانيون المثلث الخطر: نابلس-طولكرم-جنين، وكأحد قادة فصائل الثورة الذين لم يكونوا دائما متشابهين، في الأخلاق والسلوك والغايات، فضلا عن جمعهم تحت قيادة واحدة، ورغم أن القيادة السياسية للثورة في دمشق عينت عبد الرحيم الحاج محمد، (قائدا للثورة) في عامها الأخير، إلا انه عمليا لم يأتمر أولئك بأوامره في اغلب الأحيان وكانوا أشبه بقادة محميات مثل يوسف أبو درة في الجليل، وعارف عبد الرازق في السهل الساحلي، وسعيد العاص وعبد القادر الحسيني وعبد الحليم الجيلاني (الشلف) وعيسى البطاط في منطقة القدس-بيت لحم- الخليل، وهناك أيضا من القادة حسن سلامة وأبو إبراهيم الصغير وأبو إبراهيم الكبير والشيخ فرحان السعدي وغيرهم كثير.بل أن العلاقات في أحيان كثيرة، بين هؤلاء شابتها شوائب، ونضرب مثلا هنا بالعلاقة الصعبة والملتبسة بين عبد الرحيم محمد وعارف عبد الرازق مثلا.ولهذا السبب عقد اجتماع في قرية دير غسانة لحل الخلافات بين قادة الفصائل، انتهى بمعركة مع عدو الجميع: الاحتلال البريطاني.
قد لا يكون مهما التوقف هنا عند الصفات الحماسية التي تسبغ على أبطال تلك الثورة بأثر رجعي، مع أن المطلوب هو دراسة تلك الثورة، التي كانت ذات أهمية كبيرة ليس من جهة ما قدمه أبطالها والشعب الفلسطيني، في مواجهة بريطانيا والعصابات الصهيونية، ولكن الهام بان نتائج تلك الثورة هي التي قررت، فيما بعد، بهذا الشكل أو ذاك، مسيرة الأحداث في فلسطين التي انتهت بتلك النكبة التي نعيشها حتى اليوم.
وأفضل الدراسات التي قدمت عن تلك الثورة لم تكن بالعربية وبعضها كان بالعبرية وبأقلام مؤرخين صهاينة، وكانت اقرب إلى الموضوعية من مثيلاتها الفلسطينية والعربية، حيث غلب الحماس على ما كتب، أو الانتصار لهذا القائد أو ذاك لأسباب عائلية أو أسباب لا تتعلق بالبحث العلمي، وكأن (ثقافة الفلاحين) ما زالت تعشش في أدمغة باحثينا، وهي الثقافة التي كانت إحدى أسباب السلبيات، وما أكثرها (العصبيات العائلية، الأعمال الثأرية، العفوية، التردد، عدم تقدير قوة الخصم..الخ)، التي رافقت تلك الثورة.
ويشكل البطل عبد الرحيم الحاج محمد، صاحب الشمائل الكثيرة، بغض النظر عن كونه قائدا عاما أو فقط قائدا مهما، نموذجا، للقائد الذي مضى الى النهاية في مشروعه، الحياتي، والنضالي، من خلال نهايته الدرامية، حيث قتل خلال حملة على قرية صانور، نتيجة وشاية من مصادر محلية تردد أن عبد الرحيم الحاج محمد أمر بقتل عدد من أقربائهم، حسب المصادر الصهيونية، في حين أن المتعاطفين مع عبد الرحيم الحاج محمد وعائلته يؤكدون انه كان معارضا بشدة لقتل المشبوهين بتعاونهم مع الاحتلال البريطاني. رغم اوامر القتل العديدة التي اصدرها الحاج امين الحسني، والتي شكلت احد اسباب اجهاض ثورة دفع الفلاحون ثمنا غاليا فيها، في حين ان الافندية، كانوا يكتفون باصدار الاوامر.
وجاءت الحملة على قرية صانور بعد عودة عبد الرحيم الحاج محمد من بيروت، حيث قضى عدة اشهر قابل خلالها المفتي الحاج أمين الحسيني، وبحث معه في قضايا الثورة الشائكة، والانفلات الذي كان المفتي يتحمل جزءاً مهم منه.
والأمر المثير أن ذلك الحديث عن وشاية محلية ما زال يثير حساسيات حتى الآن، وكأن المسألة عائلية وليست (وطنية) أو حتى تاريخية، ويعزز من ذلك أن الرأي العام الفلسطيني نفسه لا يبدي اهتماما في كيف أو من قتل عبد الرحيم الحاج محمد؟، بل أكثر من هذا، أنني أجريت استطلاعا عفويا وسط عينة المثقفين الفلسطينيين تبين أن غالبيتهم العظمى لا تعرف من هو عبد الرحيم الحاج محمد أو غيره من أبرز قادة تلك الثورة.
يتذكر احمد العيسة ما حدث تلك الليلة في صانور: "كنا نعيش في البلدة القديمة، وأذكر اننا استضفنا في بيتنا نحو 13 من المقاومين، بينما كان ابو كمال نائما في بيت بجانبنا، وعندما تمت مداهمة البلدة من قبل الانجليز، ركب ابو كمال فرسه، ونزل نحو مرج صانور، فاصابه قناص انجليزي، برشاشه، فسقط ابو كمال بالقرب من مدرسة الوكالة حاليا، وكان مع الانجليز واحد عربي، وضع رجله على راسه، واجهز عليه وهو يخاطب ابا كمال: انت من قتل ابي وعمي، وقع الحادث قبالتنا".
ويقول العيسة (لا توجد صلة قرابة بينه وبين كاتب التقرير): "رأيت جثمان القائد العام، وبجواره جثمان شهيد آخر يقال له ابو خليفة من وادي الحوارث، ما زال المشهد منطبعا بذاكرتي، هو الحادث الأهم في حياتي".
والمقصود بابي خليفة الذي يذكره العيسة، المقاوم سليمان ابو خليفة، الذي كان يرافق الحاج محمد، بالاضافة الى سعيد بيت ايبا، وفوزي جرار قائد فصيل صانور، كما يذكر سرحان، وقبها.
ويؤكد العيسة، ان استشهاد القائد العام، كما يحب ان يسميه، وقع في 5-3-1939م، ويستدل بذلك من دفتر مذكرات يكتب فيه بخط يده الاحداث المهمة التي مرّ بها، وليس كما يذكر سرحان، وقبها، بان الحادث وقع يوم 27-3-1939م.
الاجهاز على عبد الرحيم الحاج محمد، برصاص (عربي)، يذكر بما تكرر بصورة مأساوية أيضا مع أول شهيد للثورة الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت في الفاتح من عام 1965 وهو احمد موسى.
لم تسلم (صانور) من قمع الاحتلال البريطاني، وتم هدم عدة منازل فيها، بعد مقتل عبد الرحيم الحاج محمد، الذي كان يوما حزينا جدا في فلسطين، حيث عم الإضراب، ووصفت جريدة دفار العبرية ذلك:"كان الإضراب في يافا شاملا، فالميناء توقف عن العمل، والسيارات والمركبات توقفت هي أيضا عن السير، وبدت المدينة كأن حظرا للتجول فرض عليها، وفي نابلس تظاهر الناس في الشوارع، وعقد المتظاهرون أشرطة سوداء، وفي حيفا، اعتدي على العمال الذين خرجوا إلى أعمالهم، لكن بعد أن قتل اثنان منهم ساد المدينة إضراب عام".
وفي كتابهما المشترك عن عبد الرحيم الحاج محمد حرص نمر وكبها على ايراد نماذج من (الفلكلور الغنائي الفلسطيني) الخاص بعبد الرحيم الحاج محمد ولا شك أنهما بذلا جهدا واضحا في جمع تلك المنظومات.
والمثير أن معظمها بكائيات نظمت بعد استشهاد البطل، مثل:
(من الشام لصانور ملينا لقرب مية
ع صانور جرتنا هالمنية
**
من الشام لصانور ملينا روايانا
ع صانور جرتنا منايانا
**
لأروح ع صانور واهد اللي انبنى
ريتها غايرة ما حمت اللي أجا
**
لأروح ع صانور واهد أركانها
يا ريتها غايرة ما حمت زوارها
**
يا شوك السفرجل خرمش أذياله
وأبو كمال سبع لو طالت أيامه
**
يا شوك السفرجل خرمش العدة
وأبو كمال سبع لو طالت المدة
**
ولا يا فرسه بالسهل ترخم
صابها الوجع والا عليه تصهن
ويطال الغضب المجلل بالحزن في هذه البكائية حتى (صانور) ومبانيها التي لم تستطع حماية (أبو كمال) والدعوة عليها لتغور وتذهب، ويناجي شوك السفرجل، الثمر الذي يتميز بطعمه المحبب وبكثافته ودسمه في الفم، ليؤكد على فروسية (أبو كمال).
ولكن المدهش أن كل الثوار الأبطال لم تكن لهم تلك المكانة التي انتزعها مفتي فلسطين الحاج أمين من قلوب الفلاحين الذين كان هتافهم المحبب هو (سيف الدين الحاج أمين) وكان مبايعة للزعامة السياسية والدينية للقائد السياسي الأول للشعب الفلسطيني في المفصل التاريخي الأهم، ورغم انه لم يكن اللاعب الأوحد إلا انه أبان زعامته أجهضت الثورة الكبرى (36-1939) وسقط الجزء الأهم من فلسطين وأقيمت دولة إسرائيل (1948).
كيف نفسر هذا الموقف الغريب من الفلاحين الذين كانوا وقودا للثورة الذين بلغ عدد أفرادها نحو 15 ألف، حسب المصادر الصهيونية، عشرهم منظم بينما كان الآخرون يقاتلون حسب ظروفهم ويعودون إلى بيوتهم، تجاه قيادة الافندية السياسية غير الموفقة، والذي لم يكن منهم في الثورة وفي الميدان إلا استثناءات محددة أبرزها الشهيد عبد القادر الحسيني، بينما كانت نخب الافندية من محامين وصحفيين وسياسيين، والإقطاعيين يوجهون ويقودون الثورة ويصدرون التعليمات من مكاتبهم أو مقاهيهم في بيروت التي فر إليها المفتي في تشرين الثاني 1937، في قصة مشهورة، وكتب هو نفسه عن مغامرته تلك؟؟
هل هو الميراث الطويل من الاستبداد السياسي والديني والطبقي، وما سر الثقة المتجددة في سياسيين لا يجلبون إلا الهزائم؟
وعلى أية حال سيبقى الحاج أمين الحسيني شخصية مثيرة للجدل لفترة طويلة، وهو يستحق ذلك الجدل، ويمكن القول انه مثّل قيادة سياسية- رسمية، انتهت بهزيمة كبرى، ومع ذلك فانه حظي بكثير من التقدير في تلك الحقبة التي لم يتخلص فيها الفلاحون من شعور بنوع من الدونية تجاه أبناء الذوات ويمكن هنا الإشارة، مثلا، إلى رسالة أرسلها عبد الرحيم الحاج محمد إلى المفتي يحتج فيها على بعض الأخطاء ويشكو أمور كثيرة ولكنها مليئة بتلك الموروثات الشرقية في العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، لنقرأ معا مثلا:
"..لما كانت ثورة فلسطين المجاهدة، يرجع الفضل إلى موقد نارها ومطلق أول رصاصة فيها هو صاحب السماحة الزعيم الأكبر، ولولاه لبقيت فلسطين مقيدة بقيود الذل والعبودية إلى ما شاء الله، ولما كنتم يا سيدي الزعيم الجليل، الدماغ المفكر والقلب النابض وعليكم محور الحركة الدائمة في فلسطين ولولا تلك العبقرية اللامعة والتضحية النبيلة بالنفس والنفيس، ولولا تلك العزيمة الجبارة الكامنة في نفس الزعيم الأكبر، لما قامت ثورة فلسطين ولا سمع صوتها بين الأمم".
بعد كل تلك السنوات، يبدو، ان الحزن يخيم على صانور، وكانها تهمس بتلك البكائية:
"فرس القايد ع المقبرة عثرت
القنديل انطفى والمحرمة وقعت"









عدسات: محيسن العمرين، محمد ابو غنية، ابراهيم مزهر، هيثم مزهر، احمد مزهر
فلم لـ: محيسن العمرين:
http://www.youtube.com/watch?v=snJ_uxxSZu4&feature=youtu.be
http://www.alhayat-j.com/pdf/2012/10/2/page13.pdf

هناك 7 تعليقات:

  1. What i do not understood is if truth be told how you're no longer actually a lot more well-appreciated than you may be right now. You are so intelligent. You already know thus significantly in relation to this subject, produced me personally imagine it from so many varied angles. Its like men and women are not involved except it's something to accomplish
    with Girl gaga! Your individual stuffs nice. At all times
    deal with it up!
    Visit my webpage :: transfer news for arsenal now

    ردحذف
  2. Heya i'm for the first time here. I found this board and I find It truly useful & it helped me out much. I hope to give something back and help others like you helped me.
    Feel free to visit my web blog : transfer news central twitter

    ردحذف
  3. advertising

    Check out my blog post :: wikibiz.vn

    ردحذف
  4. I have learned some important things as a result of your
    post. I might also like to express that there may be
    situation in which you will apply for a loan and never need a co-signer such as a U.

    S. Student Support Loan. When you are getting credit through a classic lender then you
    need to be prepared to have a cosigner ready to assist you to.
    The lenders may base their decision over a few issues but
    the main one will be your credit score. There are some loan providers that will also look
    at your job history and determine based on this but in many cases it
    will be based on on your score.

    Here is my blog post: facebook sex

    ردحذف
  5. رحمه الله على ابو كمال ورحمه الله على الحاج احمد عبدالله طه والفاتحه لارواحهم ولجميع اموات المسلمين

    ردحذف
  6. تاريخ وبطولات وأسماء بحجم السماء وضعتها القيادة الفلسطينية في أعماق النسيان ..
    اخي اسامه شكراً لك على هذا البحث العظيم .
    صديقي محيسن شكرا لك على هذا الفيديو المهم جداً.

    ردحذف
  7. ليش الفيديو مو موجود؟؟؟

    ردحذف