أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 11 يوليو 2012

أكثر من أسلحة ألمانية في البحر الميت


كلما انحسرت مياه البحر الميت، تتكشف اشياء مدهشة، في تلك المنطقة المحيرة، والمثيرة للاهتمام، وفي الشهر الماضي، نشرت الصحف الاسرائيلية عن اكتشاف اسلحة من مخلفات الجيش الالماني في تلك المنطقة، شملت كميات كبيرة من البنادق والرصاص، وقذائف المدفعية والألغام.
والفرضية المقترحة لتفسير ذلك، هو القاء هذه الاسلحة في البحر، خلال الحرب العالمية الاولى، حتى انكشف الامر مع انحسار المياه الخطير الذي يهدد البحر الميت.
الصور التي نشرتها مكتبة الكونغرس، والتي التقطها مصورو الاميركان كولني في القدس، للبحر الميت في تلك الحقبة، تدل على ان الجيشين التركي والالماني، حفرا على طول شواطيء البحر الميت، خنادق واستحكامات، مما يدلل على ان الاسلحة فعلا هي اسلحة المانية.
ورغم ان ذكريات الحرب العالمية الاولى، لم تدخل الوعي الجمعي الفلسطيني الا من خلال حكايات شعبية عن السفر برلك، والتجنيد الاجباري، والاغاني التي تتحدث عن الفرارية مثل (ع الاوف مشعل)، الا ان الامر قد يكون اعمق من ذلك بكثير داخل هذا الوعي الجمعي، الى درجة ان بعض الباحثين يرون ان تأثير تلك الحرب على الفلسطينيين، كان اكثر تأثيرا من النكبة.
والحقيقة، ان الحرب العالمية الاولى، لم تخاض فقط في اوروبا، ولكنها اشعلت الشرق الاوسط لمدة اربع سنوات، من قناة السويس، الى دمشق وعمان وغزة، التي أُجلي سكانها، الى الرملة وقراها، وجبل الخليل، ولم يعد الكثيرون الى غزة بعد انتهاء الحرب، واضطروا للجوء مرة اخرى في عام 1948.
قد يخيل للبعض، ان احتلال الجنرال اللنبي للقدس في كانون الاول عام 1917، وضع حدا للمعارك، ولكن الحقيقة بانها استمرت في عام 1918 من تل المتسلم (مجدو) في الغرب، مرورا بمدينة نابلس في المرتفعات الوسطى، فأريحا وغور الاردن.
لقد اعتبر البحر الميت، الشريان الرئيس، للجيوش التركية والالمانية، الذي شهد حركة سفن نشطة بين شرقه وغربه، تنقل العتاد والامداد، وفي عام 1918، تمكنت الطائرات المقاتلة الاسترالية، من تدمير سفينة تركية تحمل امدادات غذائية ولوجستية، ليكون ذلك بداية لنهاية الوجود التركي في البحر.
وتظهر صور الاميركان كولني، اسرى الحرب الالمان في القوارب عام 1918، وفي عدة صور تعود لنفس التاريخ، يمكن مشاهدة أسرى الحرب الألمان أمام سفينة تحمل اسم "عادلة" على شواطئ البحر الميت. ولا شك ان القوات البريطانية غنمت هذا القارب من الاتراك.
وتعكس صور اخرى، حقيقة أن "الجبهة الغربية" للحرب في أوروبا لم تكن تسير على ما يرام بالنسبة لبريطانيا، حيث تم نقل 60000 من الجنود البريطانيين من فلسطين إلى فرنسا. بينما وصل الى فلسطين قوات من السيخ، ومتطوعون يهود انضموا الى الجيش البريطاني بعد وعد بلفور.
وانتشرت في ذلك الوقت الملصقات العديدة التي تدعو اليهود، من جميع انحاء العالم للتطوع في الجيش البريطاني، ولا شك انه كان لهؤلاء دورا في تنظيم وتدريب العصابات الصهيونية.
يمكن ان نستفيد مما رصده المفكر الفلسطيني خليل السكاكيني (1878 - 1953) في يومياته التي كتبها في أثناء الحرب العالمية الأولى، لمعرفة المزيد عن التحالف العثماني الالماني، وكيف تم تعبئة الجماهير مستغلين العواطف الدينية لأسباب سياسية.
يقول السكاكيني، ان ألمانيا التي يدعمها العثمانيون، بدت متحمسة لإعلان الجهاد، وكيف سعى مسؤولوها إلى توسيع شقة الخلاف بين مسلمي ومسيحيي فلسطين، بتحريض المسلمين على مواطنيهم المسيحيين، وينقل السكاكيني رواية عن أحد هؤلاء الألمان، وهو طبيب يعيش في يافا قوله انه متى أعلن الجهاد، فانه سيقتل 50 من مسيحي يافا، وكان يدور على منازل مسلمي المدينة ليحرضهم على المسيحيين، معلنا راية الجهاد. ويكتب السكاكيني عن ما شاهده في القدس في مثل تلك الظروف: "كنت أرى كثيرين من الألمان مبثوثين بين الناس يحادثون الشيوخ، يتركون الواحد ويمسكون الآخر، بقصد أن يستميلوهم إلى ألمانيا وينفرونهم من غيرها. وينشر العثمانيون الشائعات وسط الناس، بان ألمانيا اعتنقت الإسلام، وأنها ستقاسم تركيا كل البلاد التي ستفتحها، وربما الأهم والأعجب ان إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني سمي محمدا، وانه سيذهب إلى الحج، لأداء الفريضة في مكة".
ويذكر السكاكيني مقطع من الأهازيج التي كان يرددها الفلاحون حين يتوافدون إلى القدس للخدمة العسكرية: "غليوم يا خالنا، بسيفك نأخذ ثارنا". ولتأجيج المشاعر، كانت تبث أقوال مثل أن المسيحيين في حرب البلقان، كانوا يغتصبون المسلمات، ويقطعون أثداءهن ويبقرون بطونهن، ويقذفون أولاد المسلمين في الهواء، ويتلقفونهم بالسيوف والحراب.
ويرصد السكاكيني، تأثيرات مثل هذه الدعاية، واستغلال فكرة الجهاد على المجتمع المحلي الذي ينوء من ثقل الحرب، حتى يصل الأمر إلى ما اخترعه العثمانيون والألمان من مسألة العلم النبوي. فما هو هذا العلم النبوي؟ علم قال العثمانيون والألمان انه علم النبي محمد (ص)، ونظم هؤلاء مواكب واحتفالات للعلم، في ربوع البلاد التي تسيطر عليها الدولة العثمانية، للتأثير على مشاعر الناس الدينية، والهاب حماسهم لحرب، لم يكن لهم فيها أية مصلحة. وفي 20 كانون الأول (ديسمبر) عام 1914، وصل العلم النبوي إلى القدس، ويذكر السكاكيني في دفتر يومياته عن هذا اليوم: "لم تشرق الشمس إلا وقد خرجت القدس بأسرها لاستقبال العلم النبوي"، أما هو فخرج مع الباحث الفلسطيني عادل جبر، وفخري الحسيني وشقيقه الحاج أمين الذي سيتزعم فيما بعد الحركة الوطنية الفلسطينية التي منيت بهزيمة كارثية عام 1948، ومع ذلك بقي قائدا لها، ومثلما هزج الفلاحون لغليوم هزجوا للحاج أمين بعد ذلك بسنوات.
يقول السكاكيني: "مشينا معا على طريق رام الله حتى أطللنا على قرية شعفاط، حيث كانت كوكبة من الخيالة من القدس ولفتا وأبو غوش وبعض القرى المجاورة يلعبون على خيولهم، ولم نلبث حتى اطل موكب العلم تتقدمه ثلة من الفرسان وهم يهللون، فاشترك الناس في التهليل والتكبير، ثم جاؤوا إلى خيمة مضروبة أمام دار راغب بك النشاشيبي، حيث كان كبار المسلمين ووجهاؤهم ينتظرون العلم". ويضيف السكاكيني أن الناس لما رأوا العلم اندفعوا يقبلونه ويتبركون به وهم يزحمون بعضهم بعضا ويضجون بالتهليل والتكبير، وكان جمال بك حاملا العلم والى جانبه بعض الضباط الألمان.
ويتساءل السكاكيني: "ولست ادري ماذا كانت تأثراتهم من ذلك المشهد، هل ضحكوا في سرهم من انحطاط الشرقيين أم استشفوا من وراء التكبير والتهليل قوة هائلة يستطيعون أن يعتمدوا عليها وليستفيدوا منها؟". وتتبع السكاكيني مسيرة العلم إلى الحرم القدسي الشريف، ثم سار الموكب يتقدمه العلم والناس ينضمون إلى الموكب حتى صاروا ألوفا وكلهم يهللون ويكبرون وقبل أن يصلوا إلى الحرم كان اليهود قد وقفوا له على الطريق ليحيوه، "أما أنا فقد كنت انظر واسمع وافكر". بماذا كان يفكر السكاكيني؟ وماذا كان يدور في خلده وما تمثل في خاطره وما تراءى لناظريه؟ لخص السكاكيني ذلك بعدة ملاحظات منها لم يكن العلم قديما بل جديدا كأنه صنع من عهد قريب جدا، فلم يشك أحد انه لم يكن العلم النبوي، بل هو مرسل من الآستانة إلى مكة. وكتب أيضا وهو العارف والعائش ظروف الناس في تلك الأيام المريرة حيث انتشر الجوع: "ان الشرق لا يعرف للوطنية معنى، ولكن العاطفة الدينية فيه شديدة التأثر، وكأن الحكومة تعتقد ذلك بدليل إعلانها للجهاد الديني، ولكن من درس أحوال الشرق اليوم، يرى ان الانحطاط الذي صار إليه الشرق من أجيال، قد افسد حتى هذه العاطفة الدينية، فلو استطاع المسلم ان يسرق هذا العلم وبيعه لما تأخر، وان كان هناك من كانت عاطفتهم الدينية صحيحة قوية، فانهم قليلون جدا". وعندما وصل العلم، أو راية النبي كما سماها العامة، كانت برفقة شيخ قُدم للناس باعتباره مفتي الشافعية في مكة المكرمة. وبعد خمسة أيام من مكوثه في القدس، توفي مفتي الشافعية، ويعلق السكاكيني على ذلك في يوميته التي كتبها يوم 25 كانون الأول (ديسمبر) 1914: "لعل الشيخوخة وتعب الطريق وبرد القدس في مثل هذه الأيام قضت عليه. وبقي العلم المنسوب للنبي، في القدس حتى يوم السبت 9 كانون الثاني (يناير) 1915، وفي مذكراته عن هذا اليوم كتب السكاكيني: "سافر اليوم الجند ومعهم العلم النبوي إلى الجنوب. ومنيت الجيوش العثمانية بهزيمة ماحقة، ولم ينقذها استغلالها للدين، من السقوط".
ويأتي الكشف عن الاسلحة الالمانية، ليذكر بتلك الحقبة، وباستغلال الدين في السياسة، وهو الوباء الذي ما زال يضرب بلاد العرب حتى اليوم، وناسها لا يكفون عن تأليف الأهازيج.

هناك تعليقان (2):

  1. Just want to say your article is as astonishing.
    The clearness in your post is just nice and i can assume you
    are an expert on this subject. Well with your permission let me to grab your feed to keep up to
    date with forthcoming post. Thanks a million and please keep up the gratifying work.
    Stop by my page ; epl transfer news premier league

    ردحذف
  2. Simply wish to say your article is as astonishing.
    The clarity in your post is simply nice and i
    could assume you're an expert on this subject. Well with your permission allow me to grab your RSS feed to keep up to date with forthcoming post. Thanks a million and please continue the rewarding work.

    my site: click here

    ردحذف