أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 29 يناير 2012

حزبون: امتياز "ضائع" لملح البحر الميت


قبالة جامعة بيت لحم، ينتصب بيت قديم مهجور، قد يثير بعمارته التقليدية، الفضول، ويطرح تساؤلات عن صاحبه الذي تركه مشرعا للرياح، يتنازعه الطامعون.
قد لا يخطر على بال الذين ينتبهون للبيت القديم، أن صاحبه كان شاهدا على الزمن الفلسطيني "الذهبي" للبحر الميت، عندما كانت القوارب تنقل الركاب والبضائع على ضفتيه، وتعج شواطئه بالحياة، وهي صورة تكاد تكون سريالية بالنسبة لواقع البحر اليوم، الذي تسيطر على شواطئه الغربية سلطات الاحتلال الاسرائيلي.
يعود البيت الى إبراهيم عبد الله حنا حزبون، الذي ولد في مدينة بيت لحم بتاريخ 29/12/1878 وهاجر في مقتبل العمر إلى هاييتي سعيا وراء الرزق.
ويقول الباحث مايك سلمان: "استطاع إبراهيم حزبون، جمع ثروة طائلـــة ليعود إلى مسقط رأسه بعد أن تزوج من ماريا لوسياني، التي أنجبت له طفلة وحيدة اسمها أولغا".
ويضيف سلمان: "طموحات إبراهيم كبيرة للغايـــة وكان يتوق دوما إلى لقاء كبار المسئولين العثمانيين، وخصوصا  جمال باشا (الصغير)، وبقي يتربص الفرص حتى سنحت له الظروف عام 1915. فبينما كان جمال باشا عائدا من بلدة الظاهرية إلى مدينة القدس، ولدى وصول موكبه مع حاشيته إلى مشارف المدخل الجنوبي لمدينة بيت لحم، تعطل أحد دواليب العربة التي كان يستقلها فانقلبت العربة. وما أن بلغ إبراهيم الخبر حتى اتجه مسرعا إلى الموقع وبكل جرأة وبدون تردد دعا جمال باشا لمرافقته إلى بيته للحصول على قسط من الراحة ريثما يتم الانتهاء من تركيب الدولاب للعربة وعمل الصيانة اللازمة لها".
ويكمل سلمان: "بالفعل وافق جمال باشا على مرافقته إلى بيته للاسترخاء وأرسل إبراهيم فنيا من أبناء بيت لحم يجيد صيانة وتصليح العربات، وهناك في منزله الكائن في شارع بولس السادس أحسن إبراهيم، ضيافة الباشا. وبعد الانتهاء من تصليح العربة شكر جمال باشا، إبراهيم على حسن ضيافته وعرفانا دعاه إلى زيارة مقره في القدس في أقرب فرصة ممكنة".
هذه الحكاية المحلية، حول بدء علاقة خاصة ومتينة بين حزبون وجمال باشا، والتي تكللت، بمنح الأخير لحزبون، امتياز استخراج الملح من البحر الميت، وعلى الارجح، فان حزبون الذي عاد إلى فلسطين، بعد فترة هجرة، رغب باستثمار أمواله، مسلحا بخبرة تجارية وحياتية حية.
وبالإضافة إلى كونه صاحب امتياز استخراج الملح من البحر الميت، كان حزبون، يملك عدة قوارب، تنقل البضائع والناس عبر البحر.
الحكايات عديدة عن الدور الذي لعبه إبراهيم حزبون، من خلال علاقته مع جمال باشا، لمساعدة أهل مدينته، ولدى الباحث سلمان الكثير منها.
وربما هذه الحكايات ساعدت في نسج الهالات الاسطورية على حزبون، الذي لم يكن يدري بأن الأمور لن تظل كما هي، فبعد هزيمة دولة صديقه جمال باشا، في الحرب العالمية الأولى، احتل البريطانيون فلسطين، وبعد فترة ألغت ادارة الاحتلال، الحكم العسكري وعينت هربرت صموئيل المعروف بميوله الصهيونية، أول مندوب سامي من قبلها على أرض فلسطين. واذا كان ذلك اعتبر مفصلا فارقا في حياة البلاد، فإنه أيضا كان كذلك في حياة حزبون.
يقول سلمان: "ما أن تسلم هربرت صموئيل مقاليد السلطة في البلاد حتى شرع يعمل بدقة، لتحقيق الأهداف الصهيونية، وتمهيد السبل الكفيلــــــــة لإنجاح المشاريع اليهودية فيها، وإقامة صرح الوطن القومي لليهود فوق تراب فلسطين".
ويضيف: "ولسوء الحظ فقد عمد المندوب السامي منذ بداية ولايته إلى سحب امتياز استخراج الملح من البحر الميت من إبراهيم حزبون، مما دعا الاخير إلى ملاحقة الموضوع قضائيا في المحاكم المختصة في البلاد، وعلى كل مستوياتها، الا إن جهوده هذه باءت بالفشل. فاضطر إلى السفر إلى بريطانيا حيث أقام دعوى في المحكمة العليا هناك، إيمانا منه بحقه في استرداد هذه الامتياز، إلا أن جهوده باءت في الفشل مرة أخرى".
حكايات بيت لحم الكثيرة، تشير إلى أن حزبون، تابع قضيته في المحكمة الدائمة للعدل الدولي، وهي محكمة دولية أُنشئت من قبل عصبة الأمم وعملت من سنة 1921 إلى 1940. وقد عرضت على المحكمة 29 قضية بين الدول و27 حالة استشارية، وقد تكون قضية حزبون من ضمنها.
وخسر حزبون، نتيجة اصراره على ملاحقة حقه في كل مكان، ثروته، وقبل بالأمر الواقع، ولكنه لم يكن يدري حينها كم سيكون، هذا الواقع مريرا.
يقول سلمان: "بعد خسارة إبراهيم حزبون لامتياز استخراج الملح من البحر الميت بفترة قصيرة، عقد اتفاقية مزارعة مع دير المسكوب في كفار عصيون، حيث عمل في زراعة أراضي الدير وأشرف على صناعة العرق والنبيذ في مصنع الخمور التابع له، إلى أن استشهد مع أخته ووليدها في معركة كفار عصيون".
وكفار عصيون عبارة عن مجمع من المستوطنات اليهودية، على طريق القدس-الخليل، شهدت عدة معارك بين المجاهدين العرب والعصابات الصهيونية، وحسب سلمان: "أحضر جمع غفير من أبناء بيت لحم الجثث في موكب جنائزي مهيب، ووريت في مقبرة اللاتين في شارع مغارة الحليب، في جنازة جماعية بتاريخ 13\5\1948".
وفي هذه المرة، كانت البلاد والعباد تدخل في مرحلة جديدة، فارقة، لم تنته تداعياتها حتى الان. وتعتبر حكاية إبراهيم حزبون إحدى حكاياتها المطمورة، التي حاول مايك سلمان الكشف عنها، ومؤخرا، لاحقها الباحث جاكوب نوريس، من جامعة بيمبروك- كلية كامبردج في المملكة المتحدة، ونقب في الارشيف العثماني، والارشيف الصهيوني، وزار بيت لحم، والتقى سلمان وغيره من أبناء المدينة ممن لديهم أي معلومات عن حزبون.  
وأشار نورس، الى ان (اولغا) ابنة حزبون، حاولت لسنوات عديدة بعد عام 1948 الحصول على ملكية قوارب إبراهيم القديمة في منطقة البحر الميت من السلطات الإسرائيلية، ولكنها فشلت، واختفت أثار إبراهيم حزبون، من السجلات الإسرائيلية، باستثناء حفنة من الرسائل والكتب الموجهة لحكومة الانتداب في عام 1920م.

هناك 3 تعليقات:

  1. I visited many blogs except the audio feature for audio
    songs present at this site is truly excellent.
    My site : transfer news soccer 2012

    ردحذف
  2. An impressive share! I have just forwarded this onto a
    coworker who was doing a little research on this. And he actually bought me dinner because I discovered it for him.
    .. lol. So allow me to reword this.... Thank YOU for the meal!

    ! But yeah, thanx for spending the time to talk about this issue here on your website.
    Also visit my blog post - transfer rumours liverpool fc list

    ردحذف
  3. اعتقد ان هذا المقال يصلح ليكون نواة لرواية فلسطينية هامة
    بالتوفيق

    ردحذف