أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 2 أكتوبر 2011

رحيل ابن (صفورية) الساخر الحزين


غيب الموت، اليوم، الشاعر الكبير طه محمد علي، عن ثمانين عاما، بعد صراع طويل مع المرض، الذي لم يحل دون تواصل ابداعاته.
ولد علي في بلدة (صفورية) المهجرة، عام 1931، ولجأ مع عائلته الى جنوب لبنان، ثم عاد للعيش في مدينة الناصرة القريبة من قريته، التي شكل  لاجئوها في الناصرة حيهم المعروف باسم (حي الصفافرة).

ويعتبر علي، احد الشهود المهمين على النكبة الفلسطينية، التي نظر لها بعيني المبدع، وافتتح المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه كتابه عن (التطهير العرقي في فلسطين) بأبيات من شعر علي.
ورغم ان طه محمد علي، لم ينخرط في الاحزاب السياسية، وتحديدا الحزب الشيوعي الاسرائيلي، مثل باقي شعراء المقاومة (محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، سالم جبران)، الا انه تمكن من حفر اسمه كشاعر كبير، بدون أي سند دعائي او اعلامي توفر لغيره ممن شكلوا ظاهرة شعراء المقاومة الفلسطينية، في ستينات القرن العشرين.
ولعل مسيرته الادبية الصعبة، هي التي جعلته يصدر ديوانه الاول في اواسط ثمانيات القرن العشرين، متأخرا، كثيرا عن ابناء جيله.
كتب علي، الشعر، في الوقت الذي كسب عيشه من عمله في متجر لبيع التذكارات السياحية في مدينة الناصرة، وتميز شعره، بمواكبته للنكبة والماسي الفلسطينية المتلاحقة، وحافظ خلال مسيرته الابداعية، على عمق فكرته وحسه العالي بالسخرية، ولكنها سخرية مبطنة بحزن لا ينضب.
تُرجم شعر طه محمد علي الى لغات عديدة، وحظي باهتمام نقدي في اميركا والغرب، وتنبه اليه الجيل الادبي الفلسطيني الشاب، مع السقوط المدوي للأدب الايدلوجي، الذي طبع كثيرا من الادب الفلسطيني، ببصمته.
لطالما ردد طه محمد علي، الذي اصبح متجره عنوانا لأدباء ونقاد من مختلف دول العالم، بانه: "فلاح ابن فلاح"، وصدرت عنه سيرة ذاتيه بعنوان (فرحي لا علاقة له بالفرح: حياة شاعر في القرن الفلسطيني)، بتوقيع الناقدة ادينا هوفمان.
من القصائد التي كتبها علي في سنوات الاخيرة، رائعته (انتقام) التي تُرجمت الى لغات عديدة، نعيد نشرها هنا تحية لابن صفورية، الذي عاش يحلم بالعودة اليها وقال عنها: "صفورية هي التي جعلتني شاعرا".
انتقام

أحيانًا

 أتمنّى أن أُبارز

 الشخص الذي

 قتل والدي

 وهدم بيتنا

 فشرّدني

 في بلاد الناس

 الضّيّقة

 فإذا قتلني

 أكون قد ارتحت

 وإن أجهزتُ عليه

 أكون قد انتقمت!

لكن...

 إذا تبيّن لي

 أثناء المبارزة

 أنّ لغريمي أُمًا

 تنتظره

 أو أبًا

 يضع كفّ يمينه

 على مكان القلب من صدره

 كلّما تأخّر ابنه

 ولو ربع ساعة

 عن موعد عودته

 فأنا عندها

 لن أقتله إذا

تمكّنت منه

كذلك...

 أنا لن أفتك به

 إذا ظهر لي

 أنّ له إخوة وأخوات

 يحبّونه

 ويُديمون تشوّقهم إليه.

 أو إذا كان له

 زوجة ترحّب به

 وأطفال

 لا يطيقون غيابه

 ويفرحون بهداياه.

 أو إذا كان له

 أصدقاء أو أقارب

 جيران معارف

 زملاء سجن

 رفاق مستشفى

 أو خُدناء مدرسة

 يسألون عنه

 ويحرصون على تحيّته

أمّا إذا كان وحيدًا

مقطوعًا من شجرة

 لا أب ولا أم

 لا إخوة ولا أخوات

 لا زوجة ولا أطفال

 بدون أصدقاء ولا أقرباء ولا جيران

 من غير معارف

 بلا زملاء أو رفقاء أو أخدان

 فأنا لن أُضيف

إلى شقاء وحدته

 لا عذاب موت

 ولا أسى فناء

 بل سأكتفي

 بأن أُغمض الطّرف عنه

حين أمرّ به في الطريق

 مُقنعًا نفسي

 بأنّ الإهمال

 بحدّ ذاته هو أيضًا

نوعٌ من أنواع الانتقام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق