أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 29 مايو 2011

القطمون: يوميات السكاكيني الناقصة

انهيت يوم امس قراءة الكتاب الثامن والاخير من يوميات خليل السكاكيني، الذي صدر بجهود مشكورة، وكتبت هذا المقال عنه:
بصدور الكتاب الثامن من يوميات خليل السكاكيني الذي حمل عنوان (الخروج من القطمون)، تكتمل سلسلة اليوميات التي شكل صدورها على مدى سبع سنوات، حدثًا ثقافيًا فلسطينيًا، أو هكذا المفترض،
ولكن قد يمضي وقت طويل حتى يمكن إدراك تأثير هذه اليوميات في المثقفين والحركة الثقافية الفلسطينية.
يكتسب الكتاب الثامن، الذي صدر العام الماضي، أهميته من عدة جوانب، وليس فقط لأنه يكمل سلسلة اليوميات، ومنها انه يقدم السكاكيني في سنواته الاخيرة، ويحمل شهادته على النكبة، وآرائه السياسية فيما حدث سنة النكبة الحاسمة وما سبقها وما تلاها، وربما الاهم يقدم شهادة ذات طابع عفوي وتفيض حيوية على حياة فئة من المجتمع المقدسي والفلسطيني، قبل النكبة.
آراء انفعالية
ورغم هذه الاهمية، قد يفاجأ المرء ببعض آراء السكاكيني، التي يمكن أخذها، ضمن إطار ما يمكن تسميته الانفعالية والعاطفية التي يمكن ان تميز كتابة اليوميات، أو التدوين الشبيه، ومنها مثلا ما ذكره في تأبينه لعميد عائلة العيسى، واعتباره اول مسيحي يخرج من الطائفية وينخرط في العروبة، أو حديثه عن الفروق في اللهجات الفلسطينية، بين المسلمين والمسيحيين، ولا شك انها اراء لا تصمد امام أي نقد، فضلا عن سذاجتها واستسهالها.
ومن المفاجآت أيضًا، أن هذا المثقف التنويري، الذي يشكو مما يسميه حفلات المجاملات والتكريم المبتذلة، يتورط في حوادث شبيهة وربما اكثر "ابتذالاً"، مثل قصة كيس البرغل. يروي السكاكيني انه عندما ارسل الامير عبد الله (الملك فيما بعد) بكيس برغل هدية لعوني عبد الهادي، طلب هذا من السكاكيني ان يرد بمنظومات شعرية لكرم الملك وفضله، وهو ما فعله وثبته في يومياته.
وتوقفت مليًا عند حديث السكاكيني عن شقيقته ميليا، وتفانيها في خدمة العائلة، وحصرها في القالب الجاهز للمرأة الشرقية، وتأسفت لأنه لم يذكر الكثير عن نشاطها الاجتماعي والسياسي، ولم يتطرق له الا بشكل هامشي. لقد كانت ميليا السكاكيني احدى رائدات العمل النسوي في حقبة مهمة من التاريخ الفلسطيني، ونشطت على الاقل، كما يتوفر لي من معلومات، في القدس وبيت لحم مع رفيقتها زليخة الشهابي.
ولا يمكن فهم الصفات التي يغدقها، على الحاج امين الحسيني، الذي كان يخطط للعودة الى فلسطين على طريقة صلاح الدين الايوبي، ورغم ان السكاكيني عاش ليرى ما حدث لبلاده، واحد اسباب ذلك قيادة الحاج امين، الا انه لم يقدم أي نقد ذاتي.
ولكن هناك مفاجآت اخرى تحملها اليوميات، التي تمثل شهادة لحظية على بعض الشخوص، وشخصيا استوقفتني النتف التي ورد فيها اسم السيدة سعدية الجابري وزوجها موسى العلمي، الذي كان يبكي عندما أصابها عارض صحي، ولكن السكاكيني، لا يذكر أي شيء عن هذه العلاقة التي انتهت بهروب الجابري مع شخص عمل في المكاتب العربية مع الحسيني، واصبح احد اشهر السياسيين الاردنيين وهو وصفي التل، هل تجنب السكاكيني ذكر أي شيء عن الموضوع؟ ولماذا فعل ذلك؟ هل كان يمارس رقابة ذاتية على نفسه عندما يكتب يومياته؟ ام ان اخرين فعلوا ذلك لاحقا؟.
التحرير والتحقيق
أشرف على تحرير اليوميات الكاتب اكرم مسلم، ويظهر في الكتاب الثامن اسماء هيئة تحرير، وقد تُطرح اسئلة حول مهمة المحرر أو المحررين في عمل مهم كيوميات السكاكيني، ومسوغ هذه الاسئلة هو ما يمكن وصفه بالهفوات أو الزلات، فمثلا في احدى اليوميات في كتاب سابق تحدث السكاكيني عن الاحتفال بالعيد الكبير، ومن السياق يتبين انه يتحدث عن عيد الفصح الذي يطلق عليه مسيحيو فلسطين اسم (العيد الكبير) ولكن المحرر كتب هامشا تفسيريا ليشير بان العيد الكبير هو عيد الاضحى.
وفي الكتاب الثامن، نجد ان المحرر ادرج هوامشًا للتعريف بأسماء ذكرت في اليوميات، هي في الواقع اسماء معروفة بهذا الشكل أو ذاك، ولكنه اغفل التنويه لأغلبية الاسماء (المجهولة) بالنسبة للمحرر، والذي يتطلب التعريف بها جهدًا مضاعفًا، او بحثا تحقيقيا، وكان يمكن وضع معجم صغير تعريفي بهذه الاسماء، بالاستعانة بباحثين أو مهتمين من خارج هيئة التحرير، اذا لم تكن هذه قد وجدت الوقت، أو لم ترد بذل الجهد اللازم لإخراج يوميات بهذه الاهمية، بافضل شكل، خصوصا مع توفر "الدعم السخي" من جهات دعمت اصدار اليوميات تم ذكرها في بداية الكتاب الثامن.
معركة الدهيشة
ويظهر أيضًا النقص في التحرير والتحقيق، فيما يخص بعض الحوادث، التي يسميها المحرر أو كاتب اليوميات (معركة الجنوب)، والحديث عن ما يعرف في ادبيات النكبة (معركة الدهيشة)، فلم يشر المحرر الى مكانها أو اسمها المعروف بها، أو الى اهميتها البالغة في معارك النكبة.
لقد عملت على توثيق ما يخص هذه المعركة، التي استمرت يومين، والتقيت في عام 1994، ما يمكن اعتباره اخر الشهود على تلك المعركة، وبعد استلام السلطة لمقاليد الامور في بيت لحم، تم هدم اخر معالم المعركة والتي عُرفت باسم (دار اليهود).
قد تحمل يومية السكاكيني عن المعركة، طزاجة ردود فعل مواطن فلسطيني لدى وقوعها، ولكنها أيضًا تكشف قصور هذا النوع من اليوميات، وعدم كفايتها عند التأريخ لحوادث هامة، وحبذا لوّ ان المحرر، ذكر شيئا عن اسم المعركة ومكانها، وتفاصيل صغيرة توضيحية، حتى يعرف القاريء على الاقل عن ماذا يدور الحديث، بدلا من الوصف الملغز (معركة الجنوب) ولا اعرف لماذا اختاره السكاكيني لها، ومكانها لا يبعد عن مكان سكناه في القطمون أقل من عشرة دقائق في السيارة.
سامي الأنصاري
لقد صدّر المحرر، الكتاب الثامن بمقدمة ضافية، عرض فيها، بشكل انتقادي لآراء السكاكيني، في يومياته، ولكن النقص التحقيقي يظهر في هذه المقدمة، عندما يشير المحرر الى الشهيد سامي الأنصاري الذي تحدث عنه السكاكيني في يوميته (13-6-1936).
يقول المحرر عن الأنصاري: "ربما يكون أول من استخدم السلاح من ابناء المدن، بعد سنوات من ثورة القسام، صورة حثتنا على البحث له عن صورة فوتوغرافية، وبعد عدة خيبات، واكتشاف ان الشهيد لا صورة له في الكتب المنشورة وان اسرته توزعت على بقاع الارض، وصلنا الى صورة ربما انها تنشر لأول مرة منذ استشهاده، لدى واحد من اقربائه الاستاذ يعقوب الأنصاري، نشرت مع خبر استشهاده في جريدة فلسطين".
والواقع ان بهجت ابو غربية، المناضل المخضرم، نشر صورة سامي الأنصاري الذي وصفه بانه رفيق دربه في كتابه الهام (في خضم النضال العربي الفلسطيني) الصادر عام 2007، وتحدث بالتفصيل عن العمليات التي نفذاها معا، وعن خيباتهما من اسماء قيادية معينة، واكثر من هذا فان ما نشره ابو غربية، يلقي مزيدا من الضوء على ما كتبه السكاكيني عن الأنصاري، فلم يكن الفتى المجهول الذي اشار اليه السكاكيني الذي شارك الأنصاري في العملية الفدائية ضد مفتش البوليس الانجليزي،..لم يكن سوى ابو غربية نفسه.
وقد تكون المعلومات التفصيلية التي ذكرها ابو غربية عن الأنصاري، تؤكد اهمية عمل المحرر المحقق في عمل بالغ الاهمية مثل يوميات خليل السكاكيني.
خاتمة الحكاية
استخدم المحرر ادواته الروائية، لإضفاء المزيد من التأثير، سواء في المقدمة أو الخاتمة. ينتهي الكتاب الثامن من يوميات خليل السكاكيني التي لم ينهيها، بما انهت ابنته هالة كتابه (كذا انا يا دنيا):
"فارق الحياة العزيز سريّ وهو في عنفوان الشباب، على اثر سكتة قلبية، يوم الاثنين ظهرا في 11/5/1953، في بيتنا، شارع السلطان حسين رقم 7، مصر الجديدة.
كانت وفاة سريّ ضربة قاسية على ابيه لم يستطع احتمالها، فعاش بعد فقد ولده الحبيب ثلاثة اشهر في حزن عميق.
فارق الحياة والدنا العزيز يوم الخميس مساء في 13/8/1953، في مستشفى دار الشفاء في القاهرة".
ربما انتهت حياة السكاكيني بهذا الشكل الدرامي، ولكن بقيت اسئلة كثيرة، تتعلق بالعنوان الذي وضعه المحرر أو المحررون للكتاب الثامن (الخروج من القطمون). لا اعتقد ان السكاكيني قدم اجوبة أو معلومات قد تساعد باحث يريد ان يكتب قصة الخروج من جبل القطمون، في غرب القدس، عندما حمل سكانه الاثرياء ما خف وزنه وغلا ثمنه، وفروا، تاركين للمقاومين من ابناء فقراء فلسطين مهمة الدفاع عنه، فكانت معركة خاسرة، سقط فيها العشرات من الشهداء، وفقد فيها ابراهيم ابو دية قائد الدفاع عن القطمون معظم رجاله.
لقد كتب السكاكيني عن القطمون، وكتب جبرا ابراهيم جبرا عن القطمون في رواياته الاولى، ولكن كتابة الاثنين بقيت ناقصة..ناقصة كثيرا.
هل تُحفز يوميات السكاكيني التي اصبحت بين ايدينا كاملة، بجهود مشكورة من المحررين، وسخاء المتبرعين، على بروز "مؤرخين جدد" في الساحة الفلسطينية؟.

هناك تعليق واحد:

  1. I love what you guys are usually up too. This sort of clever work and coverage!
    Keep up the excellent works guys I've incorporated you guys to my personal blogroll.
    My blog post ; man utd transfer news nani

    ردحذف