أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 23 فبراير 2011

في "اللاهوت العربي"





ما الذي يجعل ناشراً يصدر ثلاث طبعات من كتاب خلال شهرين، كما هو حال كتاب الدكتور يوسف زيدان "اللاهوت العربي وأصول العنف الديني"، خاصة أن الكتاب يناقش قضايا ذات طابع فلسفي؟.

قد تكون الإجابة،أن زيدان يلامس موضوعا حساساً يتعلق بالأديان اليهودية، المسيحية والإسلام، والتي يصرّ على تسميتها جميعاً بالديانة الإبراهيمية، ويخصص فصول الكتاب ليشرح كيف تكمل هذه الأديان نفسها، مما يجعلها برأيه "ديناً واحداً".
قدم زيدان لكتابه متوجها للقاريء بشكل احترازي: "لم يوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول، ولا لأولئك الذين أدمنوا تلقى الإجابات الجاهزة عن الأسئلة المعتادة. وهو في نهاية الأمر كتاب، قد لا يقدم ولا يؤخر".
يطلب المؤلف في مقدمة كتابه الطويلة، مناقشة موضوعية لمسيرة الأديان، أو الدين الواحد بتجلياته الثلاثة وذلك: "عبر الفكاك المؤقت من أسر التدين والإدانة، نسعى في هذا الكتاب إلى رصد الوصلات العميقة بين اليهودية والمسيحية والإسلام، والبنيات العامة الحاكمة، والارتباطات العميقة ذات الجذور التاريخية المطمورة، بين الدين والسياسة، بين التدين والعنف، وبين التعصب والتخلف".
ثم ينطلق بتحليل ومقارنات حول نشوء اليهودية، ثم المسيحية من رحمها، فالإسلام الذي جاء ليقدم رؤية تصحيحية، لما سبقه من ديانتين كما يرى المؤلف.
ويتوقف ملياً عند المذاهب الهرطوقية التي نشأت في زمن المسيحية الأول، في مناطق جغرافية معينة هي المناطق العربية، والتي حوربت من قبل حاملي فهم مسيحي انتشر في مناطق أخرى، وكانت أبزر تجلياته في مصر.
ويتحدث عما واجهه أصحاب المذاهب الهرطوقية من عنف ديني وسياسي، ويخلص: "يمكن القول إجمالاً إن المسيحية بعامةٍ قد عرفت من يوم انتشارها، طفرات عنفٍ توالت وتطوَّرت، حتى أدى الحال إلى انفجار أنهار الدم في ارض الله، بسبب الفهم المتناقض للديانة، وظهور اجتهادات متباينة لتعريف الإيمان القويم، وهي اجتهادات متنازعة متضادة، لا تمت بصلة إلى ما دعا إليه المسيح من محبة".
ويرى المؤلف بأن علم الكلام الإسلامي، الذي نشأ في المناطق نفسها التي انتشرت فيها المذاهب الهرطوقية، هو امتداد لتلك المذاهب، ويلاحظ مدى التشابه بين ما بشّر به الإسلام من رؤى وبين تلك المذاهب، ولكن هذا لم يمنع من المصير المؤلم الذي واجهه رموز المتكلمين المسلمين، حيث عذبوا وقتلوا.
ورغم أن مثل هذه المواضيع، ناقشها سابقا مفكرون مثل حسين مروّة، إلا أن زيدان يحاول دائما في كتابه الإشارة إلى أسبقيته في ما يطرحه ويورده، وهو غير صحيح دائما.
يرى زيدانأن هناك ارتباطاً جدلياً بين العنف والدين والسياسة، ويقدم في نهاية كتابه استخلاصات تدعو للفصل بين الدين والسياسة، تبدو تصالحية ، بحث يراعي كل طرف حاجات ومهام الطرف الأخر.
ورغم التجرد الذي تحدث عنه زيدان، إلا أنه أخذ على أتباع المسيحية تصرفات رجال الدين، ببناء كنائس مكسوة بالذهب،  وهو ما يمكن أيضا القياس عليه بالنسبة لرجال الدين المسلمين، والعمارة الباذخة لكثير من المساجد، وآخرها ما يبنيه حكام عرب معاصرون، وقد آثر توجيه الانتقاد للمسيحية التي خصص لها الحصة الأكبر من كتابه.
والأمر نفسه يتعلق بما اعتبرها رؤية إسلامية، لحسم الرؤى التي قدمتها اليهودية والمسيحية لمفاهيم تتعلق بصورة الأنبياء في الكتاب المقدس.
سخر زيدان من اليهودية: "إن اليهودية عبر تاريخها الطويل وحتى المسيحية فيما بعد رسخت صفات إلهية خطيرة لا يستحب أصلا إطلاقها على البشر، ناهيك عن الله".
وتوقف ملياً عند الخلافات التي عصفت بعد ظهور المسيحية، والتنكيل الذي مارسته الكنيسة القطبية ضد المخالفين، وهو ما يُذكرّ بشدة برواية زيدان "عزازيل"، التي فازت بجائزة البوكر العربية في دورتها الثانية، ويبدو أن الكتاب هو البحث الذي اعتمده لكتابة الرواية.
في فصل آخر يقول المؤلف، بأن أخر تجليات الديانة الإبراهيمية أي الإسلام ظهر: "في لحظة مسيحية حرجة، ليحل اختلال العقائد والتقاليد المسيحية المتعاندة الموروثة من تعاليم الآباء، وبنود اللعنات التي يصبها الكل فوق رأس الكل".
ورأى بان: "الإسلام بمفهومه الشامل يتسع ليشمل الديانات الثلاث جميعها، ويجعل أنبياءهم مسلمين كلهم، وهو المعبّر عنه بدين الفطرة ودين إبراهيم ودين القيّمة".
وفي هذا الكتاب، مثل روايته عزازيل، فإن علاقة زيدان بتاريخ وجغرافية فلسطين، تبدو إشكالية، فهو يكتب مثلا: "من أرض فلسطين بدأ انتشار المسيحية شرقاً وغرباً، فانتقلت من الأرض الفلسطينية الجدباء الملحية، إلى أرجاء البلاد الخضراء المحيطة".  و"جدب أرض فلسطين" مقولة صهيونية تنفيها الوقائع، وعمرانية فلسطين وحتى الطبيعة فيها،  ومن المثير ان يتبنى زيدان هذه المقولة " على عماها" ، ويبني على ذلك نظرية كاملة في اختلاف الفهم المسيحي في مصر واليونان، عن ما يسميها المناطق العربية كالشام والعراق.
الكتاب بموضوعه، والنقاشات التي يمكن أن يثيرها احد أسباب توالي طبعاته، ومن بنينها الطبعة المزورة التي صدرت في رام الله، وهو ما يشير إلى وجود قاريء فلسطيني مهتم، بما يجري من نقاشات في العالم العربي، وسعر هذا الطبعة أقل من نصف سعر الطبعة غير المزورة التي تباع في دار الشروق، في رام الله، وهي غير دار الشروق المصرية التي أصدرت الكتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق