أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 8 أغسطس 2010

رواية القدس ثانية-عادل الاسطة


في أثناء متابعتي للنصوص الأدبية التي أتى أصحابها فيها على القدس كنت ألتفت إلى صلة الكتّاب بالمدينة، هل كان لهم صلة بها؟ هل أقاموا فيها؟ ما مقدار المدة التي أقاموها فيها؟ هل كتبوا عنها من بعيد؟

كنت درست القدس في الشعر العربي في ق 20، وتابعت دراسة قصائد أنجزت في ق12، فوقفت أمام أشعار راشد حسين ومحمود درويش وأمل دنقل ومظفر النواب واحمد دحبور، ومهدت، وأنا أحلل نصوص المذكورة اسماؤهم، بكتابة عن فوزي البكري وعلي الخليلي وعبد اللطيف عقل، وفيما بعد سأدرس قصيدة تميم البرغوثي "في القدس" وقصيدة عز الدين المناصرة "القدس عاصمة السماء".

وكنت درست القدس في القصة القصيرة في كتابات أربعة كتاب، هم: خليل السواحري ومحمود شقير وأكرم هنية وتوفيق فياض، وأتيت على صلة هؤلاء بالمدينة، كان هؤلاء يعرفون شوارع المدينة وأحياءها ومقاهيها وبشرها ولغة الأخيرين وأمثالهم.

وحين أقرأ روايات عديدة، في العام 2009 أنجزت لمسابقة القدس عاصمة للثقافة العربية، سألحظ أن عدداً لا بأس به منها تمحور حول المدينة، فالأفضلية في الرواية الفائزة للرواية التي تكون القدس بعداً مكانياً لها. ولم أفاجأ حين قرأت دراسة وليد أبو بكر، في "الأيام"، عن القدس في الرواية الفلسطينية، وتحديداً في روايات سحر خليفة وليانة بدر وديمة السمان وآخرين، وسأتذكر وأنا أقرأ دراسة وليد روايات أخرى لم يلتفت إليها.

ربما كان عنوان رواية نبيل خوري "حارة النصارى" )1974( عنواناً لافتاً، وربما كان عنوان رواية ابراهيم الصوص بعيداً عن القدس" )1986( أيضاً عنواناً لافتاً، غير ان رواية الأخير لم تكتب بالعربية، فلقد نشرها بالفرنسية، وربما كانت الروايات التي أتى فيها اصحابها على القدس، قبل العام 2000 قليلة، وعلى المرء ان يراجع دراسة د. عبد الله الخباص، فقد توقف أمامها، وإن بايجاز.

مرة كتبت إننا اذا أردنا أن نرى فلسطين في الأدب، فعلينا أن نقرأ الأدب العبري المكتوب قبل العام 1948 لا الأدب العربي، لماذا ببساطة لأن نصوصنا القصصية والروائية كانت قبل 1948 قليلة، وضعيفة ولم تلتفت إلى المكان الذي نبه ابراهيم طوقان إلى ضياعه، لا "الوارث" )1920( لخليل بيدس، ولا "مذكرات دجاجة" )1943( لاسحق موسى الحسيني، ولا "في السرير )1946( لمحمد العدناني، ولا غيرها من النصوص المكتوبة التفتت إلى المكان بتفاصيله، كان نثرنا في بداياته، خلافاً للنثر العبري الذي كتبه أدباء متمرسون قادمون من أوروبا، وكان المكان يهمهم فركزوا عليه. هل نخون وطننا حين نكتب هذا؟ لا أظن، ففلسطين كانت لنا، لكننا لم نكتب اماكنها كما وجب ان نكتبها، وفي هذا جدال ونقاش.

ظلت الرواية في فلسطين حتى 1974 تاريخ صدور المتشائل لإميل حبيبي شبه معدومة، ومنذ ذلك التاريخ بدأ روائيونا يكتبون ولكن على عجل، ربما الآن نملك عدداً لا بأس به من الروايات، لكن كم رواية منها تركز على المكان وتفصيلاته؟ وكم رواية منها انجزت عن القدس، عن شوارعها وزقاقها واحيائها وأهلها ولغتهم وأمثالهم واسماء مقاهيهم، وعن مجانينها ومقاوميها وحشاشيها وعلمائها وعائلاتها وعن الديانات فيها والتزاوج بين ابنائها ومشاكل مثل هذا الزواج و... و... و...

هل هناك كاتب روائي واحد عاش في القدس وانجز عنها قصة مثل السواحري وشقير وهنية في باب القصة، وفوزي البكري وعلي الخليلي في باب الشعر؟ لم أقرأ ديمة السمان في عملها "برج اللقلق" لأجيب، لكنني لا أعرف روائياً واحداً من ابناء القدس، سوى نبيل خوري، كتب رواية عن المدينة. وسيختلف الأمر مؤخراً.

في السنة الأخيرة قرأت، عدا رواية سحر خليفة "صوت وأيقونة وعهد قديم" و"أصل وفصل"، العديد من الروايات: "مصابيح أورشليم" لعلي بدر، و"مدينة الله" لحسن حميد، و"عائد إلى القدس" لعيسى بلاطة، و"المسكوبية" لأسامة العيسة، و"سوناتا لاشباح القدس" للجزائري واسيني الأعرج، و"مقدسية أنا" لعلاء حليحل، ورواية لكاتب من دير الغصون أنجزها لمسابقة رواية القدس بتاريخ 7/10/2009 لا أعرف، حتى اللحظة، اسمه أو عنوان روايته، فمؤسسة فلسطين للثقافة التي لم ترسل المكافأة لي ولم تجبني أيضاً حين طلبت منها اسم مؤلف الرواية وعنوان روايته، على الرغم من انها طلبت مني ان أحكم الروايات وأرسلت لي نسخاً منها من خلال أحد طلابي، وهو خليل القطناني.

حين قرأت حسن حميد، وأنا أعرف أنه لاجئ فلسطيني يقيم في مخيمات دمشق، كتبت: ما الذي يدفع كاتباً روائياً لا صلة له بالمكان لأن يكتب عنه؟ وكنت أعني أنه لم يعش في المكان، ولا يعرفه عن قرب. لا يعرف أمثال أهله الشعبية، ولا لغة الثورية السائدة بينهم، ولا يشم رائحة جدران المدينة، ولم يتذوق طعم كعكها المقدسي، ولا يتابع التغيرات التي تجري في المكان يومياً، ولا يلاحظ الجدران ولونها والنبات الذي ينمو بين احجارها، ولا يتشمم في الصباح رائحة الفجر فيها، ولا يداعب بائعة تين أو صبر ويصغي إلى ردود أفعالها، ولا يتابع قصص زواج ابناء الطوائف فيها، ما نجح منه وما أخفق، ولا يجلس على مقاهيها ويتابع الزبائن والعابهم وعلاقتهم بصاحب المقهى و... و... و...

ولقد استاء حسن حميد من ملاحظتي وكتب رداً طويلاً، سبقه في هذا عدنان كنفاني الذي أتبع رده الأول بثان، ودافع عن حسن حميد.

سأقرأ، وأنا أقرأ حسن حميد في "مدينة الله" سأقرأ "المسكوبية )2010( لأسامة العيسة ثانية، فقد قرأتها مخطوطة، وسألاحظ الاختلاف بين الخطوط وطبعة منشورات أوغاريت، وفي "المسكوبية" التي هي أشبه بسيرة جزئية لمناضل فلسطيني اعتقل ثمانية عشر يوماً، سأقرأ عن عالم القدس السفلي أيضاً، فالمناضل الذي زج به في المعتقل لنشاطه السياسي ويجتمع في السجن بسجناء جنائيين، دخلوا السجن بالخطأ أو لمتاجرتهم بالحشيش، فالقدس ليست مدينة بشرها أنبياء، وهذا ما أبرزه من كتب عن المدينة دون ان يعرفها، بخلاف من عرفها، خذ مثلاً قصة "أبو جابر الخليلي" لتوفيق فياض واقرأ فيها عن شارع الزاهرة ورواده.

وسأقرأ، قبل ان أقرأ حسن حميد، رواية عيسى بلاطة "عائد الى القدس" (1998)، كنت حصلت على الرواية من الكاتب سمير الحاج في مؤتمر جامعة بيت لحم 2007 وقرأتها لأنها لكاتب يقيم في المنفى، ولكنه عرف المدينة وعاش فيها قبل 1967وسأرى القدس فيها تحضر من خلال الذاكرة وما يحضر من خلال الذاكرة يكون ظلالاً، يكون أشباحاً، فقط، ستحضر بعض حارات المدينة وحياة بعض أبطال الرواية فيها، لكن القدس لن تكون محور الرواية الرئيس، علماً بأن والِ القدس حاضر في العنوان، كما ان صورة المدينة تحتل صفحة الغلاف. ومن المؤكد ان عيسى بلاطة لو عاش بعد العام 1967 في القدس، وكتب رواية عن المدينة، لكانت كتابته مختلفة كلياً، لهذا كتب في روايته عن لندن واميركا وحياة المنفى التي يحياها هو أكثر مما كتب عن القدس. غير ان المنفى هو صنو القدس، وهو الذي يجعل شخوص الرواية يفكرون في المكان الأول.

فقدان المدينة والعيش في المنفى سيجعل لها مكانة مميزة، بخاصة اذا منع المرء من العودة اليها ولم يعش مرتاحاً في المنفى، هل اختلفت رواية واسيني الأعرج "سوناتا لأشباح القدس" )2009( عن رواية عيسى بلاطة، الفرق بين الاثنين ان الاول كاتب روائي محترف، خلافاً للثاني الذي لم يصدر سوى رواية واحدة، والفرق بين الاثنين ان الأول جزائري والثاني من القدس، وقد أثير السؤال نفسه الذي أثرته وأنا أقرأ حسن حميد الذي لم يزر القدس ويعرفها: ما الذي يدفع واسيني الأعرج لأن يكتب رواية عن مكان لم يزره ولم يقم فيه؟

واسيني الأعرج كتب عن مقدسيين يقيمون في المنفى، حتى اللحظة لا أعرف مدى صلته بهم، وعلام اعتمد وهو يكتب عنهم، هل قابلهم؟ هل حصل على مذكراتهم؟ هل قرأ مخطوطات ما كتبوها وصاغها روائياً؟ وهل تختلف كتابته عن كتابة حسن حميد؟

عنوان الرواية "سوناتا لأشباح القدس"، ولا يحضر من المدينة، لا بقاياها في ذاكرة من تركوها، واضطروا لأن يعيشوا بعيداً عنها، فغيروا اسماءهم، خوفاً من ملاحقة عصابات الهاغاناة لهم، لدورهم في النضال في العام 8491.

مي الحسيني الفنانة التشكيلية تغادر المدينة مع أبيها حسن، وهي في الثامنة من عمرها، في العام 1948 وتقيم في نيويورك، وتظل أشباح القدس تلاحقها: البعد عن أمها، علاقتها بأقاربها، معرفتها المتأخرة لما فعلته الهاغاناة بأمها الحامل، حيث قتلتها بقسوة، طفولتها في القدس و... و... قسوة المنفى، ووحشية العالم بعيداً عن المكان الأول، لكأن الرواية رواية المنفى التي لم نكتبها، ورواية القدس وخسارتها وما نجم عن ذلك أيضاً.

وسأرى في الرواية جدارية محمود درويش مكتوبة نثراً، فمي تصاب بالسرطان وتعاني منه، ويكتب واسيني الأعرج عن حالتها ما كتبه درويش عن حالته شعراً.

ربما تبدو رواية علاء حليحل "مقدسية أنا" التي قرأت مخطوطتها يوم حكمت روايات مسابقة القطان للعام 2009 من روايات القدس بامتياز هنا الطوائف والاثنيات ومعاناة أهل القدس المحتلة من الاحتلال، وهنا العرب واليهود في علاقاتهم اليومية، هنا التعدد اللساني أيضاً، التصور اللساني الذي هو خصيصة من خصائص الرواية كما كتب عنه (ميخائيل باختين)، وستكون رواية "مقدسية أنا" رواية قدس، ومثلها رواية ابن قرية دير الغصون التي تقرأ فيها عن التعدد الديني في المدينة القديمة.

هل قلت كل شيء في رواية القدس؟ أظنني قلت شيئاً وغابت عني أشياء وأنا لا أدعي في العلم فلسفة.




الايام الفلسطينية
تاريخ نشر المقال 01 آب 2010


هناك 6 تعليقات:

  1. رواية مقدسيّة أنا ليست لعلاء حليحل بل كاتبها هو علاء مهنا . يبدو أنّ الآستاذ عادل الآسطة أخطأ في الاسم سهواً

    ردحذف
  2. My brother recommended I might like this web site.
    He was totally right. This post truly made my
    day. You can not imagine just how much time I had spent for this info!
    Thanks!
    Feel free to surf my web-site ... arsenal transfer news 2007

    ردحذف
  3. Incredible quest there. What occurred after? Thanks!
    Also visit my blog post :: e-soccer liverpool transfer news

    ردحذف
  4. Hey there are using Wordpress for your blog platform?
    I'm new to the blog world but I'm trying to get started and create my own.

    Do you require any html coding knowledge to make your own blog?

    Any help would be really appreciated!
    Here is my site manchester united transfer news 2007

    ردحذف
  5. What i do not realize is if truth be told how you're now not actually much more smartly-liked than you might be now. You're very intelligent.
    You understand thus considerably in the case of this topic, made me individually
    believe it from numerous various angles.
    Its like women and men aren't involved unless it's something to accomplish with Lady gaga!
    Your personal stuffs great. All the time maintain it up!
    Here is my web blog ... arsenal latest transfer rumours

    ردحذف