أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 6 سبتمبر 2008

على أبواب القدس

  

خلال السنوات الثماني الماضية، ذهب المواطن حمدي عبد الفتاح (40) عاما ست مرات إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، ولكنه لم يتمكن خلال نفس الفترة من الوصول إلى القدس، حتى ولو مرة واحدة.
ويعمل عبد الفتاح في مدينة بيت لحم، على بعد 7 دقائق فقط بالسيارة من وسط مدينة القدس، ولكنها بالنسبة لعبد الفتاح أضحت مسافة تقاس بـ <السنوات الضوئية< كما قال لمراسلنا.
وحاول عبد الفتاح امس، الوصول إلى القدس، في الجمعة الاولى لرمضان، مثل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ولكنه اصطدم بالحواجز والأسوار المحيطة بالمدينة.
وفرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي امس الجمعة قيودا إضافية على دخول الفلسطينيين إلى القدس، رغم اعلانها المسبق باحداث تسهيلات.
ووصف فلسطينيون الوضع واجراءات الاحتلال خلال رمضان هذا العام بأنها <الأسوأ منذ واحد وأربعين عاما على الأقل<، وقال أحد الرجال الذين احتشدوا أمام إحدى البوابات التي أقامتها سلطات الاحتلال جنوب مدينة القدس <الأسوار حول القدس اكتملت، والثغرات التي كنا ننجح بالمرور منها في السنوات السابقة، أغلقتها سلطات الاحتلال، ورمضان هذا العام هو الأسوأ بالنسبة لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى القدس<.
ويرغب عشرات الآلاف من المواطنين بالوصول إلى القدس، واداء الصلاة في الحرم القدسي الشريف خصوصا في أيام الجمع في شهر رمضان، ولكن هذه الرغبة تحولت إلى حلم بالنسبة إلى أغلبيتهم.
وحضر فلسطينيون وفلسطينيات مع الأطفال والأولاد الصغار أمام الحواجز والبوابات التي استحدثتها سلطات الاحتلال في الجدار المحيط بالقدس، وبعضها بمثابة معابر تشبه تلك الموجودة بين الدول.
واصطدم هؤلاء بالقوات الإسرائيلية التي استعدت منذ ساعات فجر امس، ووضع جنود الاحتلال عدة حواجز أقاموها على عجل لمنع حشود الفلسطينيين من الوصول حتى إلى الجدار الأسمنتي المحيط بالمدينة.
وتحولت مشاهد الحشود الفلسطينية وهي تحاول الدخول إلى القدس، إلى مشاهد إنسانية حزينة، خصوصا تلك المتعلقة بالنساء كبيرات السن، اللواتي انتظرن ساعات في ظروف جوية حارة نسبيا.
وتمكن عدد من الأطفال الصغار من الوصول إلى الدبابات التي يعتليها جنود الاحتلال، وبعضهم اخذ يلوح بعلامة النصر، وسط خشية أهاليهم من تعرضهم لقمع من الجنود.
وحمل البعض أطفالهم على أكتافهم، خشية تعرضهم للأذى من الزحام، واخذ كثير من الأطفال بالبكاء، وهو ما ادخل أملا لدى نساء كبيرات السن، من أن يؤدي بكاء الأطفال الصغار، إلى جعل قلوب جنود الاحتلال ترق وتسمح <للقاصدين مسرى نبي الله بالمرور<- كما قالت إحدى العجائز.
وطلبت عجوز من امرأة شابة تقف بجانبها وتحمل طفلتها على كتفيها، أن تقرص الطفلة كي تبكي وقالت العجوز <أبواب السماء تفتح لأصوات الأطفال، وإذا بكت الطفلة، فربما يفرجها الله، ويسهل دخولنا إلى الأقصى<.
ولم تنتظر العجوز رد المرأة الشابة، فقرصت الطفلة الصغيرة التي أخذت بالصراخ، مما جعل أحد الجنود يهدد بإطلاق النار على أمها إن لم تجعلها تصمت.
واتهم رجال ينتظرون بصمت مهين أمام الحاجز، النساء بإشاعة الفوضى وقال أحدهم <المرأة التي تخرج من بيتها في مثل هذا اليوم وتأتى إلى هذا الزحام ناقصة عقل ودين<.
وافتى اخر بأنه لن تصح الصلاة للنساء اللواتي <حشرن أنفسهن بين الرجال، ومعهن أيضا أطفالهن، اللهم ارحم عبادك<.
وفي إحدى الزوايا قررت بعض النساء الشابات مواجهة منع جنود الاحتلال للحشود من المرور، فأخذن بالهتاف <الله اكبر..الله اكبر<، وتقدمت إحداهن وصرخت <خيبر..خيبر يا يهود..جيش محمد سوف يعود<.
وكادت أصواتهن تضيع وسط الهرج والمرج، وحاول أحد الجنود تهدئة الحشود، ليقول كلمة، فارتفعت أصوات تطالب بالصمت عل كلمات الجندي تحمل أملا، ولكن الجندي قال <نحن هنا ننفذ التعليمات، والأفضل لكل رجل وامرأة أن يعود من حيث اتى ليكسب الصلاة في بيته<.
ورد بعض الرجال مطالبين الآخرين بإقامة الصلاة أمام الحاجز وعدم العودة، وفي هذه الأثناء واصلت النسوة الشابات اللواتي بدان بالهتاف، ترداد الهتافات، وبعضها حمل نقدا لاذعا للحكام العرب.
وصرحت إحدى النسوة <أين المعتصم؟<، وعلق رجل يقف في الصفوف الخلفية <في واشنطن يشرب الويسكي< مما استتبع ضحك الواقفين بجانبه.
وطالب رجل، النساء بالصمت والعودة إلى منازلهن، وقال آخر <سأدخل القدس حتى لو قتلوني<، وقرر آخرون التقهقر بعيدا <عن هذا الذل<، وجلس البعض على الأرض بعد أن وضعوا سجاجيد الصلاة التي يحملونها تحتهم، واستعدوا للصلاة في المكان، وهم يشعرون بغضب شديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق