أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 2 يوليو 2008

داني ياتوم، تقاعد مجرم حرب



بشكل بدا هادئا اكثر من المعتاد، بالنسبة، لرجل مخابرات، تصدر في مرات كثيرة عناوين الصحف، ابلغ داني ياتوم، كتلة حزب العمل الإسرائيلي النيابية التي ينتمي إليها، استقالته من الكنيست والانسحاب من الحياة السياسية، منهيا بذلك حياة عمل طويلة، فيها الكثير من الغموض، لعمله في أجهزة أمنية إسرائيلية مثل جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وترؤسه لجهاز الموساد، المؤسسة المركزية للاستخبارات والأمن في إسرائيل.
 

وحاول ياتوم، إضفاء طابعا بطوليا على استقالته من الكنيست والانسحاب من الحلبة السياسية، مشيرا إلى انه فكر في ذلك بعد ما اسماه الفشل الذي مني به الجيش الإسرائيلي، عقب الحرب التي شنتها إسرائيل، على لبنان في تموز (يوليو) 2006.
ووجه ياتوم، انتقادات حادة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت ووصفه بالفاشل، الذي يتوجب عليه الاستقالة.


وسيدخل ياتوم، في مرحلة هدوء قد تطول كثيرا، قبل أن يقرر الكشف عن ما يعرفه من أسرار الشرق الأوسط، وهو الذي خبرها، وربما كان أحد صانعيها، خصوصا خلال ترؤسه للموساد بين عامي 1996 و1998.
ويستشف من مذكرات، نشرها، بعض قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأخرها كتاب افراهام هاليفي رئيس الموساد (1998-2002)، كم هي خطيرة ومهمة تلك الأدوار التي يلعبها رجال المخابرات الإسرائيليين، والتي تتجاوز المهام الاستخبارية والأمنية إلى صنع التاريخ السياسي للمنطقة.


وبالنسبة لياتوم، فانه كان أحد اكثر قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ارتباطا بالفضائح، واشهرها على الإطلاق محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في العاصمة الأردنية عمان يوم 5-9-1997.
كان ياتوم قد اصبح رئيسا للموساد قبل تلك العملية بنحو عام، وواجه سلسلة من العمليات التفجيرية التي نفذتها حركة حماس، وجعلت صورة، بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، في اسوا حالاتها.
وفي مكان ما، اتخذ قرارا، باغتيال مشعل الذي كان مقيما في عمان، مع ما يعنيه ذلك، من مخاطر تعريض علاقات إسرائيل بالأردن، لمصاعب كان الطرفان في غنى عنها.


واطلع ياتوم بالمهمة، وارسل عملائه للعاصمة الأردنية، لتنفيذها، ونجح هؤلاء بوضع السم في أذن مشعل، وتركوه ليموت ببطء، ولكن شجاعة أحد حراس مشعل، أوقعتهم في مطب كبير، حيث استطاع القبض على بعضهم، في أثناء فرارهم، بمساعدة آخرين من المواطنين العاديين، لتبدا ما وصف بأنها اكبر فضيحة في تاريخ الموساد.


ووصف ابرز معلق عسكري إسرائيلي وهو زئيف شيف، عملية اغتيال مشعل الفاشلة بأنها شكلت "ضررً استراتيجيًا خطيراً وإحدى أهم العمليات الميدانية الفاشلة التي نفّذها جهاز المخابرات الإسرائيلي".
وأدى الكشف عن العملية، بالعاهل الأردني آنذاك الملك حسين، إلى التدخل، وتم إبرام صفقة لإعطاء مشعل الترياق الشافي، وإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس المعتقل لدى إسرائيل مقابل إعادة عملاء الموساد الذين القي القبض عليهم.


وحتى الان، فان التفاصيل الدقيقة لما حدث في ذلك اليوم، في عمان، لم تنشر، رغم الكم الكبير من التحقيقات الصحافية، والكتب التي تناولت المسالة، والسبب أن ياتوم، فضل الصمت، رغم أن البعض يعتقد بأنه كان خلف الكثير مما سرب للصحف، من معلومات، ومن بينها ما نشر، عن اجتماع جمع نتنياهو وياتوم، قبل عملية الاغتيال الفاشلة بـ 12 يومًا، ووصف الاجتماع بأنه كان عاصفا، وأن نتنياهو الذي تأثرت مكانته من العمليات التفجيرية التي هزّت إسرائيل، طلب قتل أي مسؤول من حماس في عمان انتقامًا لتلك العمليات، وأن ذلك لقي معارضة من ياتوم، لأنه برأيه سيحمل مخاطر تدمير عمل عملاء الموساد في عمان الذين يجمعون معلومات "ثمينة عن سوريا والعراق والمتطرفين الفلسطينيين، وكذلك على التعاون بين عملاء الموساد ونظرائهم الأردنيين" وفق ما نشرته صحيفة الصاندي تايمز البريطانية، بعد وقوع العملية الفاشلة، التي كانت سببا لتعرض ياتوم لهجوم غير مسبوق، بصفته رئيسا للموساد.


ورغم المطالبات باستقالته، إلا أن ياتوم بقي في رئاسة الموساد، الذي شهد فضائح جديدة تحت رئاسته، وبعد الفشل المدوّي لمحاولة اغتيال مشعل في عمان، يبدو أن ياتوم الذي عيّنه إسحاق رابين، رئيسًا للموساد من خارج صفوفه حيث جاء به من الشاباك، أراد أن يمحو ذلك الفشل المزري، أو يخفف من وقعه بعمليات أخرى للموساد في الخارج ولكن وجد نفسه يتورّط في فضيحة أخرى في سويسرا.


وما حدث، انه بعد نحو خمسة أشهر من فشل عملية اغتيال مشعل، وفي شباط (فبراير) عام 1998م، دخلت مجموعة من عملاء الموساد إلى المبنى رقم 27 من شارع فابر ساكر في بلدة ليبيفيلد بالقرب من مدينة كونيتس في مقاطعة بيرن، الذي يقطن فيه مواطن سويسري من أصل لبناني يدعى عبد الله الزين، والنزول إلى أسفل المبنى لفحص إمكانية زرع أجهزة تنصت على هاتفه، باعتباره أحد مناصري حزب الله في لبنان، ولكن الأمن السويسري ألقى القبض عليهم، بعد شكوى من إحدى جارات الزين، التي اشتبهت بعملاء الموساد، دون أن تدري بهويتهم أو هدفهم.


وتحولت العملية التي أراد منها ياتوم، أن يمحي فشل عملية مشعل من الذاكرة إلى فضيحة مدوية جديدة، خاصة مع الاهتمام الإعلامي الكبير، بمحاكمة عملاء الموساد أمام القضاء السويسري، ووقوع مفاجآت لم تخطر على البال خلال تلك المحاكمة.
وبعد هذه الفضيحة الجديدة، لم يجد ياتوم أمامه من خيار غير الاستقالة، رغم أن أصدقاءه مثل عميل الموساد السابق موشيه بن دافيد قالوا بان ياتوم لم يكن له علاقة بعملية سويسرا.


وتحدث بن دافيد، وهو أحد منفّذي عملية مشعل الفاشلة، لصحيفة معاريف العبرية (18/5/2000)، التي عرفته بأنه أحد كبار المسؤولين في قسم العمليات التابع للموساد حتى قبل إدلائه بالحديث بعدة أشهر.
وقال بن دافيد، الذي خدم في منصب رفيع في وحدة قيسارية، وهي وحدة الاغتيالات في الموساد،  بان ياتوم لم يتدخل في العملية الفاشلة في سويسرا ولكنه قرّر تحمّل المسؤولية عنها.

 

ولكن عمليتي مشعل وسويسرا، لم تكنا هما فقط، من جلبا العار للموساد، الذي هزته أيضا فضيحة أخرى في قبرص، وأخرى ارتبطت باسم يهودا غيل، رجل الموساد، الذي أدين باختلاس أموال من الموساد وتضليل إسرائيل بشأن سوريا بعد تقديمه لتقارير كاذبة صاغها بنفسه مدعيًا أنها من مصادر عليا في سوريا.


و قال بن ديفيد عن يهودا غيل بانه "الموجّه الرئيسي في الفصل التدريبي الأول لي بالموساد، وكان بإمكان الجميع أن يدرك على الفور أن هناك شيء غير صحيح لديه، ويوجد شخص مثله في كل جهاز استخباري، و أشعر بالسرور لوجود أشخاص في الموساد يؤمنون اليوم بضرورة تجنيد أشخاص عقائديين ومستقيمين ومن ثم تعليمهم الكذب والخداع وليس تجنيد عناصر ذوي نفسية إجرامية وللأسف ما زالت هذه التوجهات غير سائدة في الموساد".
وسجّل بن ديفيد ملاحظة هامة "عندما نقلت بعد الفصل الدراسي لمجال العمليات وبعد الاطلاع على ثلاث عمليات كان يجري الإعداد لتنفيذها خلال الأشهر المقبلة، شعرت بأسف كبير إلى درجة البكاء، ولم تكن لهذه العمليات علاقة بالأمور التي درسناها بالفصل وتجاوز هذا لدي كافة ما يمكن تخيّله".


ولم يكشفْ بن دافيد عن تلك العمليات التي يقصدها، ولكن حدثت عمليات مشابهة لها، من حيث فشلها المحقّق، تحت قيادة داني ياتوم، مثل عملية مشعل في عمان وعمليتي الموساد في قبرص وسويسرا و فضيحة يهودا غيل بشأن التقارير الكاذبة حول سوريا، وفي الفضائح الثلاث الأولى تم اعتقال بعض عملاء الموساد في الدول الثلاثة تلك، أما جيل فأودع السجن الإسرائيلي، وكانت فضائح مدوية، سيتردد صداها مع قرار ياتوم اعتزال السياسة، التي كانت طريقه للعودة إلى واجهة الأحداث، في عام 2003، لدى انتخابه لعضوية الكنيست، على قائمة حزب العمل، مثيرا آنذاك ضجة كبيرة، بسبب فضيحة عملية مشعل، وما تبعها.
ومما زاد من تسليط الأضواء عليه، لدى انتخابه لعضوية الكنيست، انتخاب شقيقه ايهود ياتوم، كنائب عن حزب الليكود، في نفس العام، وهو المعروف بانه قتل اثنين من الفدائيين الفلسطينيين، بعد القبض عليهما أحياء، وبدلا من إيداعهما السجن، حطم رأسيهما بالحجارة.
وشغل داني ياتوم، مناصب عديدة، من بينها خدمته في وحدة الاستطلاع التابعة للأركان العامة، ووحدات المدرعات، وفي قيادة الأركان العامة، وقائدا للمنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، وسكرتيرا عسكريا لوزير الدفاع ورئيس الحكومة، ورئيسا للقيادة السياسية-الأمنية لرئيس الحكومة ووزير الدفاع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق