أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 28 مايو 2008

مات بعد ان سلم مفتاح العودة


في الثامن من شهر أيار (مايو) الجاري، وقف الحاج محمود عبيد، في مهرجان نظم في مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين، لتدشين اكبر مفتاح في العالم، ليلقي كلمة في الذكرى الستين للنكبة، ويسلم أحفاده مفتاح منزله في القرية التي شرد منها عام 1948، ويوم أمس الأحد في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، عاد إلى مكان لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المكان الذي جرى فيه الاحتفال، ولكن هذه المرة محمولا على الأكتاف، ميتا، عن عمر تجاوز الـ 110 سنوات، في جنازة مهيبة، ليرقد في مقبرة قبة راحيل التي لا يفصلها سوى شارع صغير عن مخيم عايدة.


وفي المشوارين، قطع الحاج عبيد المكني بابي إبراهيم، نفس المسافة، في المرة الأولى، سار اكثر من 7 كيلو مترات من مخيم الدهيشة الذي يعيش فيه، مشيا على الاقدام، في مسيرة العودة المركزية، وهو يحمل مفتاح منزله الذي تركه في قرية بيت إعطاب، غرب القدس، إلى حيث تم وضع ما وصف بأنه اضخم مفتاح في العالم وطوله عشرة أمتار ووزنه 2 طن، وفي المشوار الثاني، قطعه محمولا، من قبل محبيه، الذين انطلقوا به من منزله في مخيم الدهيشة ليرقد رقدته الأخيرة، وسط الكثير من المشاعر الجياشة.


ومنذ سنوات تحول عبيد إلى ما يشبه الوثيقة التاريخية التي تسير على قدمين وتعبر عن مأساة شعب طالت معاناته، واصبح القاسم المشترك، في جميع النشاطات التي تنظم حول القضية الفلسطينية، وخصوصا حق العودة.


وكانت حيوية أبو إبراهيم، مثار إعجاب دائم، حيث تمتع دائما بروح شابة، وقدرة على الحكي، خصوصا عن قريته التي دمرت واقيمت عليها مستوطنات يهودية، وتحولت إلى مرفق سياحي واثري، يقصده الاسرائيليون.


ورغم انه يسكن في مخيم لا يبعد اكثر من نصف ساعة بالسيارة عن قريته، إلا أن إجراءات الاحتلال حرمته من زيارتها، أو تنفيذ حلمه بان يدفن فيها.


وبالإضافة إلى مفتاح منزله في قريته، ظل أبو إبراهيم يحتفظ بمتعلقات أخرى، تذكره بقريته، تمكن من إخراجها معه في عام 1948.


وتعرض أبو إبراهيم إلى صدمات عديدة خلال 60 عاما من رحلة اللجوء القاسية، وتعرض منزله في مخيم الدهيشة مرات كثيرة ولا تحصى لاقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل العديد من أبنائه وأحفاده، لفترات متفاوتة في السجون الإسرائيلية، ولكن أقصى صدمة تعرض لها كانت استشهاد حفيده كفاح (10 سنوات) قبل ست سنوات برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، قرب قبة راحيل، في المكان الذي دفن فيه الحاج أبو إبراهيم.


واخر النشاطات التي شارك فيها الحاج ابو إبراهيم كانت مسيرة العودة، حيث سار متقدما الصفوف، حاملا مفتاح منزله، الى جانب مفتاح العودة الضخم المحمول على شاحنة، وسط اهتمام من وسائل الإعلام به، وبعد الوصول إلى مكان انعقاد المهرجان وتثبيت مفتاح العودة الضخم، كان الحاج إبراهيم هو المتحدث الرئيس، الذي أوصى الجيل الجديد بالتمسك بحق العودة، وتحدث عن مدى شوقه لقريته ولكامل التراب الفلسطيني، ثم سلم مفتاحه الذي احتفظ به 60 عاما لأحفاده، بالإضافة إلى الأوراق التي تثبت ملكية الأرض.


وتوفي أبو إبراهيم، نتيجة جلطة مفاجأة، وهو في منزله، يقوم بواجب الضيافة لزواره، وسقط على الأرض فجأة وهو يسكب في كؤوسهم مشروبا غازيا.

هناك تعليقان (2):

  1. كل االاحترام لك يا اسامة العيسة على الكتابة عن حياة جدي

    ردحذف
  2. تحية الى روح جدك الذي حافظ على المفتاح حتى اللحظة الاخيرة
    ان لم نكتب عن امثال جدك فعن ماذا سنكتب؟

    ردحذف