أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 30 أبريل 2008

نهاية دراماتيكية لبناية فلسطينية في القدس الغربية



دخلت عملية تهويد أحد رموز النهوض الوطني الفلسطيني العمراني خلال الانتداب البريطاني مرحلتها النهائية، بعد الكشف عن كامل ما يخطط لهذا الرمز الذي يقع في غرب مدينة القدس، غير بعيد عن أسوار المدينة القديمة الغربية. والحديث يدور عن الفندق الذي شيده المجلس الإسلامي الأعلى، برئاسة الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني، في منطقة ماميلا، في نهاية عشرينات القرن الماضي، ليكون تحفة معمارية، ولينافس النشاط الصهيوني المتزايد الذي كان يأخذ أشكالا عمرانية أيضا مثل بناء فندق الملك داود في منطقة لا تبعد كثيرا عن منطقة ماميلا التي تملكها الأوقاف الإسلامية، والذي ما زال يعمل حتى الان، وينزل فيه كبار ضيوف الدولة العبرية من الرؤساء والمسؤولين، وفيه أقام الرئيس المصري السابق أنور السادات لدى زيارته التاريخية لإسرائيل.

واعلن في إسرائيل، بأنه سيتم تشييد فندقا في المبنى التاريخي، ستديره سلسة فنادق هيلتون الشهيرة، ويضم 220 غرفة، بالإضافة إلى بركة سباحة ومنتجع صحي، وهو جزء من سلسلة فنادق والدورف – استوريا الفخمة، المخصصة للأثرياء.

ومن المتوقع أن يتم افتتاح الفندق الجديد في عام 2010، بعد أن وقع اتفاق رسمي بين سلسلة هيلتون، والسلطات الإسرائيلية التي تسيطر على المبنى منذ اكثر من ستين عاما.

ووفقا للمصادر الإسرائيلية فان سيتم استثمار نحو 100 مليون دولار في الفندق الجديد، الذي يفصله عن مقبرة ماميلا الإسلامية شارع إسفلتي عريض، وهي المقبرة المهمة التي تضم رفات قادة وفاتحين وعلماء ومؤرخين وقادة جيوش واقطاب صوفيين وقضاة من مختلف العالم الإسلامي، وبعد عام 1948، ووقوعها تحت سيطرة إسرائيل، تم تحويل جزءا من المقبرة إلى حديقة يرتادها مثلي الجنس من اليهود، وقسم آخر لموقف سيارات، والان تسعى إسرائيل لبناء ما يطلق عليه (متحف التسامح) على ما تبقى من المقبرة، وهو ما أثار الحركة الإسلامية في إسرائيل بقيادة الشيخ رائد صلاح الذي خاض معاركا قانونية ما زالت مستمرة ضد الحكومة الإسرائيلية.

وفي الفندق الجديد، سيتم الحفاظ على كثير من الملامح الفنية للمبنى القديم الذي استوحى من العمارة العربية الأندلسية، مثل المنحوتات الحجرية واقواس الزينة وغيرها.

وسيضم الفندق الجديد، 220 غرفة وجناحا، وحمام سباحة مساحته 500 متر، وثلاثة مطاعم، ومنتجع صحي، وقاعات ومرافق للاجتماعات.

ويعتبر هذا الفندق الثاني في الشرق الأوسط من مجموعة والدورف - استوريا، بعد فندق قصر الشرق في جدة، الذي انضم لهذه المجموعة الفندقية الفخمة عام 2006، وتتكون المجموعة المتفردة التي تحمل علامة والدورف – استوريا، من خمسة فنادق حول العالم، أربعة منها في الولايات المتحدة الأميركية، اشهرها يقع في مدينة نيويورك، والخامس هو الذي افتتح في جدة السعودية، والسادس سيكون الفندق الجديد في القدس.

وسيضع الفندق الجديد حدا نهائيا ومأساويا، لقصة الفندق الذي بني بإشراف المفتي الحسيني عام 1929، الذي أطلق عليه اسم (فندق بالاس)، في حين أن كبار السن من المقدسين يطلقون عليه حتى الان (بناية الحاج أمين)، أو بناية المجلس الإسلامي الأعلى.

وفي خضم العواصف السياسية التي كانت تتعرض لها فلسطين، ونشاط الحركة الصهيونية والانتداب البريطاني المعلن للسيطرة على الأرض وإنشاء وطن قومي لليهود، اتجه نظر الحسيني نحو مشروع، يبدو للوهلة الأولى بأنه ليس له أية علاقة بالسياسة أو بالتحدي المصيري المتزايد، وهو تشييد مبنى على الطراز المعماري الإسلامي، في غرب المدينة، على مسافة لا تبعد كثيرا عن أسوار المدينة القديمة، في منطقة ماميلا.

ولا شك أن الحسيني، لاحظ النشاط المعماري المتزايد في غرب المدينة، التي لم تكن تعرف بهذا الاسم وإنما بالقدس الجديدة، والتي كانت تتوسع خارج الأسوار في نشاط معماري محموم، لفئات ومجموعات عديدة في مدينة القدس ذات الطابع المتعدد، فأخذت تنشأ بنايات على طرز معمارية حديثة وغير مسبوقة، لجاليات أجنبية، وأخرى متجذرة الجذور مثل بطريركية الروم الأرثوذكس، وربما الأهم، المشروع الذي كان يبينه يهودا وهو فندق الملك داود، بالإضافة إلى مبنى جمعية الشبان المسيحية.

وبدأ الحاج أمين، باسم المجلس الإسلامي الأعلى بناء فندق في منطقة ماميلا، ذات العمق الإسلامي، والتي تحولت إلى منطقة تجارية هامة في القدس الجديدة، تضم بنوكا ومخازن تجارية ومكاتب حكومية، ودائرة عامة للبريد، بالاضافة الى محل كبيا لشركة سبينيس لبيع الملابس واللحوم والبضائع البريطانية المستوردة، ووجد في الحي مستشفى حكومي للحيوانات، وسوق الجمعة لبيع المواشي، ودور للسينما.

وفي مثل هذا الأجواء، صمم بناء الفندق الذي رعاه الحاج أمين الحسيني وبادر إليه، للتأكيد على الوجود الفلسطيني السياسي والثقافي في غرب المدينة، المهندس المعماري التركي النحاس بك، واعلن في الصحف المحلية عن عطاء البناء.

وظهر نوع من التنافس والسباق ميز تلك الفترة بين الفندق الفلسطيني وفندق الملك داود اليهودي، وربما لهذا السبب وأسباب أخرى اشترط المفتي على المقاولين أن يتم إنهاء العمل خلال 13 شهرا.
وللدلالة على جديتها، استخدمت شركة المقاولات 600 من العمال، من بينهم حرفيون بصناعة الحجارة المقدسية التي بني منها الفندق.

ولم يركن الحاج أمين، إلى تعهدات شركة المقاولات بإنهاء العمل في الوقت المحدد، واولى أهمية شخصية وبالغة لأعمال البناء، وكان يحضر مرتين في الأسبوع إلى موقع البناء عند حفر الأساسيات، ثم بشكل يومي مع بدء التشييد.

ويتضح من سير العمل في بناء الفندق، أن الأحداث التي شهدتها فلسطين آنذاك، لم تؤثر على الفترة التي حددت لإنجازه، وفي يوم 22 كانون الأول (ديسمبر) 1929، انتهى العمل، وكتب على واجهة المبنى من الأعلى بحروف بارزة "مثلما بنى آباؤنا وفعلوا نبني ونفعل"، في إشارة واضحة إلى الاستمرارية والحفاظ على الهوية، ورأى البعض في هذا النقش الذي أمر به المفتي إشارة إلى التشابه المعماري بين هذا البناء والمباني الإسلامية في الوطن العربي والأندلس.

واصبح المبنى يشار له كأحد أهم المباني في المدينة المقدسة، ودعا المجلس الإسلامي الأعلى لحفل افتتاح له، حضره وجهاء وسياسيون واعيان من العرب واليهود والبريطانيين.

وتحول المبنى بطوابقه الأربعة إلى شاهد سياسي جديد، كما أراده المفتي، وتميز الفندق بفخامته، وضم 140 غرفة، 45 منها تشبه الأجنحة مع حمامات، وخصصت ثلاثة مصاعد لاستخدام النزلاء، تمتعوا بتدفئة الفندق المركزية في أيام الشتاء، وبالمطعم الفخم.

وكل هذه المزايا اعتبرت في حينها، نوعا من الرفاهية الفائقة، التي ميزت هذا الفندق الفلسطيني الذي لفت الانتباه بعمارته الإسلامية الواضحة، والذي شبهه البعض بقصر الحمراء في غرناطة.

واحتوى الطابق الأول على ممر طويل محاط بأعمدة على الجانبين، وسقف مقوس يفضي إلى الداخل المغطى بالسجاد الفاخر والنادر الذي كان يعطي مع الثريا الطويلة المعلقة في السقف رونقا مميزا، وتميز الشكل الخارجي للفندق بالنوافذ المقنطرة وبأحجاره وتصميمه الهندسي اللافت.

ورغم كل ما بذل لإخراج الفندق بصورته الزاهية، إلى انه واجه تحديا جديا عام 1931 عندما افتتح فندق الملك داود، ولم يستطع الفندق الفلسطيني منافسة الفندق اليهودي الجديد.

واضطر المجلس الإسلامي الأعلى في عام 1935 إلى إغلاق الفندق الأثير، واقتصار العمل على المطعم الفخم، وأجر بعض الغرف بشكل شهري.

ولم يكن ذلك نهاية تقهقر الفندق، وكأن ما يحدث له يتناسب مع الأوضاع السياسية التي تتردى بالنسبة للفلسطينيين، ففي عام 1936، استولى البريطانيون على الفندق، وحولوه إلى مبنى خاص بهم، وفي نفس العام اتخذته لجنة بيل البريطانية التي وصلت فلسطين لتقرير مصير البلاد وتقسيمها بين العرب واليهود، مقرا لها في النهار تجمع المعلومات، وفي الليل ينام أعضاؤها في فندق الملك داود.

تطورت الأوضاع في فلسطين بشكل سريع ودراماتيكي، واصبح الحاج أمين مطلوبا للبريطانيين وفر خارج البلاد، بينما وسعت العصابات الصهيونية، من عملها باستهداف مصالح بريطانية، خصوصا مع القرارات البريطانية بترشيد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتحسبت بريطانيا وأغلقت مدخل الفندق لكونه اصبح مبنى حكوميا مهددا.

وتم وضع أسلاك شائكة حول الفندق، للحيلولة دون وضع أفراد العصابات الصهيونية المتفجرات، وفي عام 1948، استولت دولة إسرائيل الناشئة حديثا على الفندق، وحولت قسما منه مقرا لوزارة التجارة والصناعة، ولكن المبنى بعمارته المبهرة، ظل مدار نقاشات استمرت سنوات وشارك فيها مهندسون وسياسيون ورجال أعمال، حول مصيره المستقبلي.

وطرحت الكثير من الأفكار، في كيفية التصرف بالفندق الفلسطيني المغتصب، وقبل سنوات تم الموافقة على إضافة طابقين للبناء القديم، وتحويله إلى فندق من جديد مكون من 330 غرفة، ولكن المشروع لم ير النور، وكل فترة وأخرى كانت تطرح أفكارا مثل هذه، حول المبنى الذي وصفه ذات مرة الاثاري الإسرائيلي دافيد كروبنكر بأنه ذو قيمة معمارية وتاريخية كبيرة، منوها إلى زخارفه الحجرية التي تشكل أحد العناصر التي تضفي عليه خصوصيته المعمارية.

وفي شهر نيسان (ابريل) 2007، حدث أمر غريب بشان المبنى، فالذين يمرون بجانبه، ويقفون لإلقاء نظرة على عمارته الفريدة، فوجئوا بأصوات الآليات تعمل داخله، وتبين أن أعمال هدم تجري لاجزائه الداخلية بينما تم المحافظة على واجهاته الخارجية.

وفي 11-4-2007، ذكرت صحيفة يديعوت احرنوت الإسرائيلية، بأنه سيتم تحويل المبنى إلى شقق فخمة للطبقة الثرية من الإسرائيليين والأجانب.

واتضح الان أن ما ذكرته الصحيفة العبرية ليس دقيقا، بعد الإعلان عن الفندق الجديد الفخم، الذي ينهي حكاية فلسطينية في المكان، امتزجت بالدماء والأمل والدموع.

وكل ذلك يجري، وسط صمت فلسطيني رسمي وشعبي، والتعليق الوحيد الذي يمكن سماعه هو ما تفوه به صاحب مطعم شعبي في القدس القديمة قائلا "لا استبعد أن يتحول الفندق الجديد الذي بني على أملاكنا المغتصبة المكان المفضل لجلسات التفاوض الفلسطينية-الإسرائيلية، دون أن يرف رمش للمفاوض الفلسطيني وهو يستمتع بالضيافة الفخمة".

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2008/4/326274.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق