أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 4 يناير 2008

ثقافة الألقاب تتفشى وسط النخب الفلسطينية

بعد اتفاق أوسلو، وتأسيس السلطة الفلسطينية، تواطأ الصحافيون الفلسطينيون ضمناً، على التعامل مع مسؤولي السلطة الجدد، بدون أية ألقاب تفخيم مثل سيادة، أو معالي، أو عطوفة وغيرها، وهو ما يناسب الظرف الفلسطيني، وطبيعة السلطة كنوع من الحكم الذاتي المحدود جداً.

وكان اللقب الأكثر شيوعا هو (الأخ) الذي يخاطب به رأس السلطة ياسر عرفات، وأحيانا (الرفيق) الذي كان يطلق على قادة وكوادر الحركات اليسارية.

ولم تتعامل الصحافة الرسمية أو شبه الرسمية، بجدية مع الألقاب التي كانت تضفيها وكالة الأنباء الرسمية (وفا) على عرفات، باعتباره (رئيس دولة فلسطين)، و(رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير)، و(القائد الأعلى للقوات المسلحة الفلسطينية)، و(رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية) بالإضافة إلى توصيفين أو ثلاثة من هذه العينة.

لكن خلال العامين الماضيين، بدأت الأراضي الفلسطينية، تشهد عودة قوية لألقاب السياسيين، زادت بشكل ملحوظ مع الصعود المثير لحركة حماس بعد الانتخابات التشريعية، وتنامت الظاهرة بقوة خلال الأشهر الأخيرة.

ومن الألقاب المنتشرة الان، والتي يمكن لصحافي في التلفزيون الفلسطيني الرسمي، أو ضيفه أن يذكرها، مثلا ما يتعلق بمدير المخابرات الفلسطينية الذي يقدم باعتباره (معالي اللواء الأخ توفيق الطيراوي)، في إشارة إلى منحه درجة وزير من قبل الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الحالي، ويضاف في كثير من الاحيان لقب (المناضل) إلى جملة الألقاب هذه. أما حركة حماس وإعلامها، فإنها تذكره أحيانا كثيرة باسم (المدعو الطيراوي)، في محاولة للتقليل من شأنه في الحرب المفتوحة بين الطرفين.

وما ينطبق على مدير جهاز المخابرات، ينطبق على باقي قادة الأجهزة الأمنية الأخرى، مرهوبي الجانب.

ومن الملاحظ أن قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، هم اكثر الشخصيات التي يراعي المواطن الفلسطيني أمورا كثيرة لدى مخاطبتها، كما يظهر من خلال الندوات أو اللقاءات العامة، حيث يبدي الجمهور شيئا من الخوف في مواجهتها، بعكس ما يفعله نفس الجمهور مع المسؤولين المدنيين ومن بينهم الوزراء، أو حتى (أبو مازن) نفسه، أو رئيس وزرائه الدكتور سلام فياض.

وبينما كان اللقب الشائع للمحافظين، هو (الأخ فلان) أو مناداته بكنيته (أبو فلان)، تغير الأمر الان بإضافة لقب الوزير، مثلما هو الحال بالنسبة لجمال المحيسن محافظ نابلس، الذي منح درجة وزير من أبي مازن، أو محافظ بيت لحم صلاح التعمري، وهو وزير سابق، والذي يضيف لقب (وزير) قبل اسمه.

ولا تقل حركة حماس استخداما للألقاب عن حركة فتح والسلطة في رام الله، فرئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، يقدم باعتباره (الأخ المجاهد)، ويمكن أن يكون هذا اللقب مناسبا أو ملائما لشخص تعرض لمحاولة اغتيال شهيرة من قبل الموساد الإسرائيلي أثناء إقامته في العاصمة الأردنية عمان، وان كان لا يلائم رئيس حركة دخلت بقوتها في معترك لعبة سياسية، معروفة الاشتراطات، ولها ثمن مدرك، وتعترف أوساط عقلانية منها بوقوعها في أخطاء كبيرة خلال ما تسميه عملية الحسم العسكري في قطاع غزة.

ويقدم إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني المقال، في إعلام حركة حماس باعتباره (السيد رئيس الوزراء)، أو (السيد دولة رئيس الوزراء)، أو (دولة رئيس الوزراء)، والصورة التي يظهر بها على وسائل الإعلام، لا تترك انطباعا لدى المتلقي، بأنه ابن مخيم الشاطئ، الذي يتوق مثل ملايين الفلسطينيين إلى العودة للديار. وبدلا من أن يمثل هؤلاء الملايين، في طموحهم وآلامهم، لا تترك المواكب الرسمية، وسيارات المرسيدس الفخمة، أي فرصة للمتلقي لكي يكون أية صورة أخرى في مخيلته، حتى عن الجزء من الشعب الفلسطيني الذي يعيش في ظل حالة حصار في الشريط الصغير المسمى قطاع غزة، والذي تساوي مساحته حيا صغيراً في مدينة كبيرة.

ومثلما يتعامل بعض مقدمي البرامج في التلفزيون الفلسطيني الرسمي مع قادة الأجهزة الأمنية بكثير من الهيبة، ويتجنبون توجيه الأسئلة الصعبة لهم، يفعل ذلك تلفزيون الأقصى التابع لحماس فيما يتعلق بهنية، ومثال ذلك لقاء أجراه معه وزير الثقافة السابق في حكومته، بدا فيه الوزير السابق والمقدم الحالي، كتلميذ في حضرة الاستاذ.

ولا يستطيع الفلسطينيون، إلا أن يقارنوا بين صورة مسؤوليهم على تلفزيوني فتح وحماس، وصورة المسؤولين الإسرائيليين على محطات التلفزة الإسرائيلية. والمقارنة ليست أبدا في صالح المسؤولين الفلسطينيين، الذين يدركون بأنهم سيكونون اكثر متابعة لو ظهروا على تلفزيونات (العدو)، وهو ما يفعلونه بل يرتبطون بعلاقات يومية مع مراسلي هذه التلفزيونات. ويمكن القول ان ما يبثه مراسلو وسائل الإعلام الإسرائيلية من قطاع غزة، هو الأكثر مهنية من بين جميع ما يبثه مراسلو الوسائل الأخرى، ومن بينها الفضائيات العربية الاخبارية ذات الامكانيات المالية الجيدة.

وتم الزج بالألقاب، في كثير من الأحيان، في الصراع المحتدم بين حماس وفتح، واستخدمت الألقاب، من قبل الحركتين، في محاولة للإشارة إلى جسامة الإجراءات التي أقدمت عليها كل منهما بحق الأخرى.

فعندما تعتقل الأجهزة التابعة للسلطة، أعضاء من حماس في الضفة، مثل نواب في المجلس التشريعي، يتم التركيز من قبل حماس على صفاتهم الاعتبارية هذه، وهو ما يحدث أيضا بالنسبة لحركة فتح. وعندما اعتقلت حكومة حماس في غزة عمر حلمي الغول، مؤخرا، تركزت دعاية حركة فتح المضادة على أن المعتقل هو (الوزير الغول)، الذي لم يكن يعرف بهذه الصفة قبل اعتقاله، وانما كان يوصف بالكاتب والمحلل السياسي، ولكن يبدو ان لقب وزير اكثر تأثيرا.

وتوجد عشرات الألقاب التي تتوزعها الفصائل الفلسطينية الصغيرة. ففي فلسطين يوجد مثلا المئات ممن يحملون لقب (عضو المجلس الوطني الفلسطيني)، أو (عضو المجلس المركزي الفلسطيني)، وكل منهما يتبع منظمة التحرير، ويحرص حاملوها على التمسك بها، خصوصا بعد تصدر حركتي حماس وفتح المشهد، للتذكير بمجدهم الغابر.

ويوجد بضعة أشخاص يحملون لقب (الأمين العام)، الذي يضفي عليه حاملوه معاني تقترب من القداسة، رغم انه لا يعني الكثير لأعضاء التنظيمات التي يترأسها هؤلاء، ولا للجمهور العريض، وهو ما اتضح في الانتخابات العديدة التي شهدتها الأراضي المحتلة، وبينت انحسارا، شبه نهائي، للأمناء العامين وتنظيماتهم. لكن لا أحد من هؤلاء يفكر بالتخلي عن اللقب أو عن التنظيم، لأن ذلك يعني ببساطة التخلي عن المخصصات الهائلة التي تصرف من منظمة التحرير الفلسطينية لهم.

ولم يكتف معظم الأمناء العامين بألقابهم، فأضافوا إليها لقب (الوزير)، وهو يعني مزيدا من المال والامتيازات.

ويحمل مئات من نشطاء العمل السياسي لقب (عضو مكتب سياسي) أو (عضو لجنة مركزية)، ويحتفظ آخرون بألقابهم منذ اكثر من 20 عاما، مثل (أمين عام اتحاد النقابات) أو (نقيب الصحافيين)، أو (اتحاد الكتاب).

وتتقاطع في أحيان كثيرة الألقاب مع التوصيفات الوظيفية في السلطة الفلسطينية، فيوجد مثلا مئات ممن يحملون صفة (وكيل الوزارة) أو (المدير العام) في ظل سلطة يصفها قادة حماس وفتح، في أحيان كثيرة بأنها وهمية، لشعب تتسرب أرضه يوميا من بين يديه، ولا تتوقف دماء أبنائه عن النزف.

ومن بين هذه التوصيفات التي تحولت إلى ألقاب (المستشارون)، ويوجد عدد كبير منهم، كان عرفات عينهم كمستشارين له وان لم يستشاروا، من مستشارته لشؤون أدب الأطفال، إلى مستشارين لشؤون العشائر والاستيطان والأمور العسكرية والأمنية..الخ.

ومن المفارقات أن بعض هؤلاء المستشارين هم موظفون من الصف الأول، من حيث الرواتب، ويعيشون في الخارج، ومنهم من تابع صعوده الوظيفي في البلد الذي يعيش فيه، ووصل إلى أعلى المستويات، ومنهم من ركب موجة المعارضة لسياسة السلطة، واحترفها عبر الصحف والفضائيات والكتب. ومن المفارقات أيضاً أن توجيه النقد الشديد للسلطة هو ميزة حاملي الألقاب والتوصيفات الوظيفية فيها، الذين يتلقون مخصصات منها، وكأن هذه السلطة لا صاحب لها.

وتحاول الفئات الأقل حظا التمسك بألقاب معينة، على طريقتها مثل، لقب (الأسير المحرر) أو (الأسرى المحررون) الذي يطلق على المعتقلين الذين يتم الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، حيث أسس هؤلاء جمعية تعبر عن طموحاتهم، وتطرح مطالبهم.

وبعد أربعين عاما من الاحتلال، ووفقا لإحصاءات شبه رسمية، فإن اكثر من ثلث الشعب الفلسطيني جرب الاعتقال في سجون الاحتلال، مما يشير إلى إشكالية هذا المصطلح. ووفقا للنائب عيسى قراقع، مقرر لجنة الأسرى في المجلس التشريعي، يوجد نحو 80 ألف أسير محرر، عاطل عن العمل. وهذا يفسر ربما، تمسك هؤلاء بلقب (أسير محرر) لانه على الأقل يسوغ لأي منهم، المطالبة بالحقوق المادية والمعنوية المهدورة.

وتنتشر أيضا ألقاب أخرى مثل ما يتعلق بالجرحى، وهم عدة أنواع، فهناك (جرحى الانتفاضة) والمقصود انتفاضة الحجارة الأولى، و(جرحى انتفاضة الأقصى)، و(جرحى الانقلاب) والمقصود ضحايا الحسم العسكري في غزة، ولكل فئة مطالبها وقضاياها المستعصية.

والأمر ينطبق أيضا على فئات أخرى، كان من الممكن تجنيبهم التقسيمات والتوصيفات، مثل الشهداء الذين قدمهم الشعب الفلسطيني على مدى سنوات. وفي انتفاضة الأقصى الأخيرة، قدمت تضحيات بمقدورها «تحرير عشرة شعوب» مثلما يقول البعض هنا ويضيفون مشخصين الداء «ولكن مشكلة الشعب الفلسطيني المزمنة هي في قيادته»، وفي الذين استعجلوا الألقاب قبل إنجاز مهمة التحرر الوطني، والمقصود النخب السياسية والثقافية.

http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issue=10627&article=452326

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق